للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يغلب وجوده فلو حكمنا بخروجه عن الصلاة يؤدى الى الحرج فأما الكلام فلا يغلب وجوده ناسيا فلو جعلناه قاطعا للصلاة لا يؤدى الى الحرج فبطل الاعتبار.

أما النفخ فى الصلاة فعلى ضربين نفخ مسموع ونفخ غير مسموع وغير المسموع منه لا يفسد الصلاة بالاجماع لأنه ليس بكلام معهود وهو الصوت المنظوم المسموع ولا عمل كثير الا أنه يكره لما مر أن ادخال ما ليس من أعمال الصلاة فى الصلاة من غير ضرورة مكروه وان كان قليلا فأما المسموع منه فانه يفسد الصلاة فى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى سواء أراد به التأفيف أو لم يرد وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول أولا ان أراد به التأفيف بأن قال أف أو تف على وجه الكراهة للشئ وتبعيده يفسد وان لم يرد به التأفيف لا يفسد ثم رجع وقال لا يفسد أراد به التأفيف كان من كلام الناس لدلالته على الضمير فيفسد واذا لم يرد التأفيف لم يكن من كلام الناس لعدم دلالته على الضمير فلا يفسد كالتنحنح ووجه قوله الأخير أنه ليس من كلام الناس فى الوضع فلا يصير من كلامهم بالقصد والارادة ولأن أحد الحرفين ههنا من الزوائد التى يجمعها قولك اليوم ننساه والحرف الزائد ملحق بالعدم يبقى حرف واحد وأنه ليس بكلام حتى لو كانت ثلاثة أحرف أصلية او زائدة أو كانا حرفين أصليين يوجب فساد الصلاة ويدل لأبى حنيفة ومحمد أن الكلام فى العرف اسم للحروف المنظومة المسموعة وأدنى ما يحصل به انتظام الحروف حرفان وقد وجد المنظومة كلاما فى العرف أن تكون مفهومة المعنى فى التأفيف وليس من شرط‍ كون الحروف فان الكلام العربى نوعان مهمل ومستعمل ولهذا لو تكلم بالمهملات فسدت صلاته مع أن التأفيف مفهوم المعنى لأنه وضع فى اللغة للتعبيد على طريق الاستخفاف حتى حرم استعمال هذا اللفظ‍ فى حق الأبوين احتراما لقوله تعالى «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} (١)».

وهذا النص من أقوى الحجج لهما لأن الله تعالى سمى التأفيف قولا فدل أنه كلام والدليل على أن النفخ كلام ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لغلام يقال له رباح حين مر به وهو ينفخ التراب من موضع سجوده فى صلاته لا تنفخ فان النفخ كلام وفى رواية أما علمت أن من نفخ فى صلاته فقد تكلم وهذا نص فى الباب وأما التنحنح عن عذر فانه لا يفسد الصلاة بلا خلاف وأما من غير عذر فقد اختلف المشايخ فيه على قولهما، قال بعضهم يفسد لوجود الحرفين من حروف الهجاء وقال بعضهم ان تنحنح لتحسين الصوت لا يفسد لأن ذلك سعى فى أداء الركن وهو القراءة على وصف الكمال.

وروى امام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدى السمرقندى عن الشيخ أبى بكر الجوزجانى صاحب أبى سليمان الجوزجانى رحمهم الله تعالى أنه قال اذا قال أخ فسدت صلاته لأنه له هجاء ويسمع فهو كالنفخ المسموع وبه تبين أن ما ذكره أبو يوسف رحمه الله تعالى من المعنى غير سديد لما ذكرنا أن الله تعالى سماه قولا ولما ذكرنا أن الحروف المنظومة المسموعة كافية للفساد وان لم يكن لها معنى مفهوم كما لو تكلم بمهمل كثرت حروفه وأما قوله ان أحد الحرفين من الحروف الزوائد فنعم هو من جنس الحروف الزوائد لكنه من هذه الكلمة ليس هو بزائد والحاق ما هو من جنس الحروف الزوائد من كلمة ليس هو فيها زائدا بالزوائد (٢) محال وكذا قوله بامتناع التغير بالقصد والارادة غير صحيح بدليل أن من قال لا يبعث الله من يموت وأراد به قراءة القرآن يثاب عليه ولو أراد به الانكار للبعث بكفر فدل أن ما ليس من كلام الناس فى الوضع يجوز أن يصير من كلامهم بالقصد والارادة


(١) الآية رقم ٢٣ من سورة الاسراء.
(٢) المرجع السابق ج‍ ١ ص ٢٣٤، ٢٣٥ الطبعة السابقة.