للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو أن فى صلاته أو بكى فارتعع بكاؤه فان كان ذلك من ذكر الجنة أو النار لا تفسد الصلاة وان كان من وجع أو مصيبة يفسدها لأن الأنين أو البكاء من ذكر الجنة أو النار يكون لخوف عذاب الله وأليم عقابه ورجاء ثوابه فيكون عبادة خالصة ولهذا مدح الله خليله عليه السّلام بالتأوه فقال:

«إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ} (١)».

وقال فى موضع آخر «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ} (٢)» لأنه كان كثير التأوه فى الصلاة وكان لجوف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزير كأزير الرجل فى الصلاة واذا كان كذلك فالصوت المنبعث عن مثل هذا الأنين لا يكون من كلام الناس فلا يكون مفسدا ولأن التأوه والبكاء من ذكر الجنة والنار يكون بمنزلة التصريح بمسئلة التصريح بمسئلة الجنة والتعوذ من النار وذلك غير مفسد كذا هذا واذا كان ذلك من وجع أو مصيبة كان من كلام الناس وكلام الناس مفسد.

وروى عن أبى يوسف أنه قال اذا قال آه لا تفسد صلاته وان كان من وجع أو مصيبة واذا قال أوه تفسد صلاته لأن الأول ليس من قبيل الكلام بل هو شبيه بالتنحنح والتنفس والثانى من قبيل الكلام والجواب ما ذكرنا ولو عطس رجل فقال له رجل فى الصلاة يرحمك الله فسدت صلاته لأن تشميت العاطس من كلام الناس لما روينا من حديث معاوية بن الحكم السلمى ولأنه خطاب للعاطس بمنزلة قوله أطال الله تعالى بقاءك.

وكلام الناس مفسد بالنص وان أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله أو أخبر بما يتعجب منه فقال سبحان الله فان لم يرد جواب المخبر لم تقطع صلاته وان أراد به جوابا لا يقطع عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وان أراد به الجواب فان الصلاة لو فسدت انما تفسد بالصيغة أو بالنية لا وجه للأول لأن الصيغة صيغة الأذكار ولا وجه للثانى لأن مجرد النية غير مفسد.

وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يقطع لأن هذا اللفظ‍ لما استعمل فى محل الجواب وفهم منه ذلك صار من هذا الوجه من كلام الناس وان لم يصر من حيث الصيغة ومثل هذا جائز كمن قال لرجل اسمه يحيى وبين يديه كتاب موضوع «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ} (٣)» وأراد به الخطاب بذلك لا قراءة القرآن انه يعد متكلما لا قارئا وكذا اذا قيل للمصلى بأى موضع مررت فقال «بئر معطلة وقصر مشيد» وأراد به جواب الخطاب لما ذكرنا كذا هذا وكذلك اذا أخبر بخبر يسوؤه فاسترجع لذلك فان لم يرد به جوابه لم يقطع صلاته وان أراد به الجواب قطع لأن معنى الجواب فى استرجاعه أى أعينونى فانى مصاب ولم يذكر خلاف أبى يوسف فى مسئلة الاسترجاع فى الأصل والأصح أنه على الاختلاف ومن ساوى فرق بينهما فقال الاسترجاع اظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله فأما التحميد الشكر والصلاة شرعت لأجله ولو مر المصلى بآية فيها ذكر الجنة فوقف عندها وسأل الله الجنة أو بآية فيها ذكر النار فوقف عندها وتعوذ بالله من النار فان كان فى صلاة التطوع فهو حسن اذا كان وحده لما روى عن حذيفة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قرأ البقرة وآل عمران فى صلاة الليل فما مر بآية فيها ذكر الجنة الا وقف وسأل الله تعالى وما مر بآية فيها ذكر النار الا وقف وتعوذ وما مر بآية فيها مثل الا وقف وتفكر وأما الامام فى الفرائض فيكره له ذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفعله فى المكتوبات وكذا الأئمة بعده الى يومنا هذا فكان من المحدثات ولأنه يثقل على القوم وذلك مكروه ولكن لا تفسد صلاته لأنه يزيد فى خشوعه والخشوع زينة الصلاة وكذا المأموم يستمع وينصت لقوله تعالى «وَإِذا قُرِئَ}


(١) الآية رقم ٢١٤ من سورة التوبة.
(٢) الآية رقم ٧٥ من سورة هود.
(٣) الآية رقم ١٢ من سورة مريم