للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (١)» ولو استأذن على المصلى انسان فسبح وأراد به اعلامه أنه فى الصلاة لم يقطع صلاته.

لما روى عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال كان لى من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان فى كل يوم بأيهما شئت دخلت فكنت اذا أتيت الباب بأن لم يكن فى الصلاة فتح الباب فدخلت وان كان فى الصلاة رفع صوته بالقراءة فانصرفت ولأن المصلى يحتاج اليه لصيانة صلاته لأنه لو لم يفعل ربما يلح المستأذن حتى يبتلى هو بالغلط‍ فى القراءة فكان القصد به صيانة صلاته فلم تفسد وكذا اذا عرض للامام شئ فسبح المأموم لا بأس به لأن القصد به اصلاح الصلاة فسقط‍ حكم الكلام عنه للحاجة الى الاصلاح (٢) ولا يسبح الامام اذا قام الى الآخرين لأنه لا يجوز له الرجوع اذا كان للقيام أقرب فلم يكن التسبيح مفيدا ولو فتح على المصلى انسان فهذا على وجهين أما ان كان الفاتح هو المقتدى به أو غيره فان كان غيره فسدت صلاة المصلى سواء كان الفاتح خارج الصلاة أو فى صلاة أخرى غير صلاة المصلى وفسدت صلاة الفاتح أيضا ان كان هو فى الصلاة لأن ذلك تعليم وتعلم فان القارئ اذا استفتح غيره فكأنه يقول ماذا بعد ما قرأت فذكرنى والفاتح بالفتح كأنه يقول بعد ما قرأت كذا فخذ منى ولو صرح به لا يشكل فى فساد الصلاة فكذا هذا وكذا المصلى اذا فتح على غير المصلى فسدت صلاته لوجود التعليم فى الصلاة ولأن فتحه بعد استفتاحه جواب وهو من كلام الناس فيوجب فساد الصلاة وان كان مرة واحدة هذا اذا فتح على المصلى عن استفتاح فأما اذا فتح عليه من غير استفتاح لا تفسد صلاته بمرة واحدة وانما تفسد عند التكرار لأنه عمل ليس من أعمال الصلاة وليس بخطاب لأحد فقليله يورث الكراهة وكثيره يوجب الفساد وان كان الفاتح هو المقتدى به فالقياس هو فساد الصلاة الا أنا استحسنا الجواز.

لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرأ سورة المؤمنون فترك حرفا فلما فرغ فقال الم يكن فيكم أبى قال نعم يا رسول الله قال هلا فتحت على فقال ظننت أنها نسخت فقال صلى الله عليه وسلم لو نسخت لأنبأتكم.

وعن على رضى الله تعالى عنه أنه قال اذا استطعمك الامام فاطعمه.

وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قرأ الفاتحة فى صلاة المغرب فلم يتذكر سورة فقال نافع اذا زلزلت فقرأها ولأن المقتدى مضطر الى ذلك لصيانة صلاته عن الفساد عند ترك الامام المجاوزة الى آية أخرى أو الانتقال الى الركوع حتى أنه لو فتح على الامام بعد ما انتقل الى آية أخرى فقد قيل أنه ان أخذه الامام فسدت صلاة الامام والقوم وان لم يأخذه فسدت صلاة الفاتح خاصة لعدم الحاجة الى الصيانة ولا ينبغى للمقتدى أن يعجل بالفتح ولا للامام أن يحوجهم الى ذلك بل يركع أو يتجاوز الى آية أو سورة أخرى فان لم يفعل الامام ذلك وخاف المقتدى أن يجرى على لسانه ما يفسد الصلاة فحينئذ يفتح عليه لقول على اذا استطعمك الامام فاطعمه وهو مليم أى مستحق الملامة لأنه أحوج المقتدى واضطره الى ذلك.

وقد قال بعض مشايخنا ينبغى للمقتدى أن ينوى بالفتح على امامه التلاوة وهو غير سديد لأن قراءة المقتدى خلف الامام منهى عنها عندنا والفتح على الامام غير منهى عنه فلا يجوز ترك ما رخص له فيه بنية ما هو منهى عنه وانما يستقيم هذا اذا كان الفتح على غير امامه فعند ذلك ينبغى له أن ينوى التلاوة دون التعليم ولا يضره ذلك ولو قرأ المصلى من المصحف فصلاته فاسدة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تامة ويكره.


(١) الآية رقم ٢٠٤ من سورة الأعراف.
(٢) المرجع السابق ج‍ ١ ص ٢٣٥ الطبعة السابقة.