للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعى رحمه الله تعالى لا يكره واحتجوا بما روى أن مولى لعائشة رضى الله تعالى عنها يقال له ذكوان كان يؤم الناس فى رمضان وكان يقرأ من المصحف ولأن النظر فى المصحف عبادة والقراءة عبادة وانضمام العبادة الى العبادة لا يوجب الفساد الا أنه يكره عندهما لأنه تشبه بأهل الكتاب والشافعى يقول ما نهينا عن التشبه بهم فى كل شئ فانا نأكل ما يأكلون ولأبى حنيفة طريقتان احداهما أن ما يوحد منه من حمل المصحف وتقليب الأوراق والنظر فيه أعمال كثيرة ليست من أعمال الصلاة ولا حاجة الى تحملها فى الصلاة فتفسد الصلاة وقياس هذه الطريقة أنه لو كان المصحف موضوعا بين يديه ويقرأ منه من غير حمل وتقليب الأوراق أو قرأ ما هو مكتوب على المحراب من القرآن لا تفسد صلاته لعدم المفسد وهو العمل الكثير والطريقة الثانية ان هذا يلقن من المصحف فيكون تعلما منه ألا ترى أن من يأخذ من المصحف يسمى متعلما فصار كما لو تعلم من معلم وذا يفسد الصلاة كذا هذا وهذه الطريقة لا توجب الفصل بين ما اذا كان حاملا للمصحف مقلبا للأوراق وبين ما اذا كان موضوعا بين يديه ولا يقلب الأوراق وأما حديث ذكوان فيحتمل أن عائشة ومن كان من أهل الفتوى من الصحابة لم يعلموا بذلك وهذا هو الظاهر بدليل أن هذا الصنيع مكروه بلا خلاف ولو علموا بذلك لما مكنوه من عمل المكروه فى جميع شهر رمضان من غير حاجة ويحتمل أن يكون قول الراوى كان يؤم الناس فى رمضان وكان يقرأ من المصحف اخبارا عن حالتين مختلفتين أى كان يؤم الناس فى رمضان وكان يقرأ من المصحف فى غير حالة الصلاة اشعارا منه أنه لم يكن يقرأ القرآن ظاهره فكان يؤم ببعض سور القرآن دون أن يختم أو كان يستظهر كل يوم ورد كل ليلة يعلم أن قراءة جميع القرآن فى قيام رمضان ليست بفرض (١) ولو دعا فى صلاته فسأل الله تعالى شيئا فان دعا بما فى القرآن لا تفسد صلاته لأنه ليس من كلام الناس وكذا لو دعا بما يشبه ما فى القرآن وهو كل دعاء يستحيل سؤاله من الناس لما قلنا ولو دعا بما لا يمنع سؤاله من الناسى تفسد صلاته عندنا نحو قوله اللهم أعطنى درهما وزوجنى فلانة والبسنى ثوبا وأشباه ذلك. لأن ما يجوز أن يخاطب به العبد فهو من كلام الناس وضعا ولم يخلص دعاء وقد جرى الخطاب فيما بين العبد بما ذكرنا ألا ترى أن بعضهم يسأل بعضا ذلك فيقول أعطنى درهما أو زوجنى امرأة وكلام الناس مفسد ولهذا عد النبى صلّى الله عليه وسلم تشميت العاطس كلاما مفسدا للصلاة فى ذلك الحديث لما خاطب الآدمى به وقصد قضاء حقه وان كان دعاء صيغة وهذا صيغته من كلام الناس وان خاطب الله تعالى فكان مفسدا بصيغته والكتاب والسنة محمولان على دعاء لا يشبه كلام الناس أو على خارج الصلاة وأما حديث على رضى الله تعالى عنه فلم يسوغوا له ذلك الاجتهاد حتى كتب اليه موسى الأشعرى أما بعد فاذا أتاك كتابى هذا فأعد صلاتك وذكر فى الأصل رأيت لو أنشد شعرا أما كان مفسدا لصلاته ومن الشعر ما هو ذكر الله تعالى كما قال الشاعر: ألا كل شئ ما خلا الله باطل ولا ينبغى للرجل أن يسلم على المصلى ولا للمصلى أن يرد سلامه باشارة ولا غير ذلك أما السّلام فلأنه يشغل قلب المصلى عن صلاته فيصير مانعا له عن الخير وأنه مذموم وأما رد السّلام بالقول والاشارة فلأن رد السّلام من جملة كلام الناس لما روينا من حديث عبد الله بن مسعود وفيه أنه لا يجوز الرد بالاشارة لأن عبد الله قال فسلمت عليه فلم يرد على فيتناول جميع أنواع الرد ولأن فى الاشارة ترك سنة اليد وهى الكف لقوله صلّى الله عليه وسلّم كفوا أيديكم فى الصلاة غير أنه اذا رد بالقول فسدت صلاته لأنه كلام ولو رد بالاشارة لا تفسد لأن ترك السنة لا يفسد الصلاة ولكن يوجب الكراهة.

ومنها السّلام متعمدا وهو سلام الخروج من الصلاة لأنه اذا قصد به الخروج من الصلاة


(١) المرجع السابق ج‍ ١ ص ٢٣٦ الطبعة السابقة.