للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثانيهما: أن الإجزاء هو إسقاط‍ القضاء، وهذا التعريف ينسب إلى فريق آخر من الأصوليين يعرف بفريق الفقهاء.

وفى ذلك يقول القرافى فى كتابه الذخيرة (١): الإجزاء هو كون الفعل كافيا فى الخروج عن عهدة التكليف، وقيل ما أسقط‍ القضاء.

وقد فصل الإسنوى فى شرحه على المنهاج الكلام على الإجزاء عند المتكلمين وعند الفقهاء، ورجع تعريف المتكلمين.

فالإجزاء عند المتكلمين هو الأداء الكافى لسقوط‍ التعبد به، وقد شرح أجزاء هذا التعريف فبين:

أولا: أن الأداء له معنيان: معنى لغوى: ومعنى فقهى.

أما معناه اللغوى فهو الاتيان، من قولهم أديت الشئ أى آتيته، ومنه قوله تعالى:

«فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ».

وأما معناه الاصطلاحى: فهو الإتيان بالعبادة فى وقتها لأول مرة، وهو بالمعنى الأول أعم لأنه يشمل آداء العبادة فى وقتها لأول مرة وإعادتها بعد أول مرة وقضاءها بعد وقتها، والمراد هنا هو هذا المعنى الأعم، وقد غفل عن هذا بعض الناس فظن أن المراد بالأداء المذكور فى تعريف الإجزاء هو المعنى الاصطلاحى ولذلك ادعى أن القضاء والإعادة لا يوصفان بإجزاء لأن القضاء والإعادة لا يسميان فى الاصطلاح بالأداء وهو غلط‍.

ثانيا: يقال تعبد الله المكلفين بالصلاة، أى دعاهم إلى أن يعبدوه بها وطلبها منهم، فمعنى التعبد بالشئ طلبه، فإذا أتيت بالعبادة إتيانا كافيا لسقوط‍ طلبها بأن اجتمعت فيها شرائطها وانتفت عنها موانعها فقد أجزأتك هذه العبادة وكفتك، وإذا لم تأت بها على هذا النحو فهى غير مجزئة.

ثم ذكر تعريف الفقهاء للإجزاء وبين بطلانه، فالإجزاء عند الفقهاء هو إسقاط‍ القضاء، ومن المعروف أن القضاء إنما يجب بأمر جديد على المذهب الصحيح لا بالأمر الأول.

فإذا أمر الشارع بعبادة أمرا أوليا ولم يأمر بقضائها بأمر ثان فليس معنا إلا أمر واحد، وهذا الأمر الواحد إنما يتجه إلى الأداء الأول فقط‍ ولا شأن له بالأداء الثانى وإذن فالأداء الثانى غير واجب لأنه ليس معنا أمر يوجبه، وإذا لم يكن واجبا فكيف يقال سقط‍ مع أن السقوط‍ فرع الوجوب والثبوت.

على أن القضاء إنما يجب بخروج الوقت حتى لو أخذنا بمذهب من يقول: إن الأمر الأول كاف فى إيجابه فموجبه وسببه هو خروج الوقت، فإذا أدى الصلاة على وجهها فى الوقت فلا ينبغى أن يقال أجزأت بمعنى أنه سقط‍ قضاؤها لأن القضاء لم


(١) ج ١ س ٦٤ طبعة سنة ١٣٨١ هـ‍ سنة ١٩٦١ م المطبوع بكلية الشريعة بالأزهر.