للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد أتى بوصية صحيحة لأن صحة الوصية لا تقف على بيان مقدار الموصى به.

فوقعت الوصية صحيحة بدونه ثم بين المقدار وغلط‍ فيه والغلط‍ فى قدر الموصى به لا يقدح فى أصل الوصية فبقيت الوصية متعلقة بثلث جميع المال.

ولأنه لا يحتمل أن يكون هذا رجوعا عن الزيادة على القدر المذكور ويحتمل أن يكون غلطا فوقع الشك فى بطلان الوصية.

فلا تبطل مع الشك على الأصل المعهود أن الثابت بيقين لا يزول بالشك (١).

أما الرجوع الثابت من طريق الضرورة فنوعان أحدهما أن يتصل بالعين الموصى به زيادة لا يمكن تسليم العين بدونها.

كما اذا أوصى بسويق ثم لته بالسمن لأن الموصى به اتصل بما ليس موصى به بحيث لا يمكن تسليمه بدونه لتعذر التمييز بينهما.

فثبت الرجوع ضرورة وكذا اذا أوصى بدار ثم بنى فيها أو أوصى بقطن ثم حشاه جبة فيه أو أوصى ببطانة ثم بطن بها أو بظهارة ثم ظهر بها لأنه لا يمكن تسليم الموصى به الا بتسليم ما اتصل به.

ولا يمكن تسليم الا بالنقض ولا سبيل الى التكليف بالنقض لأنه تصرف فى ملك نفسه فجعل رجوعا من طريق الضرورة.

والثانى أن يتغير الموصى به بحيث يزول معناه واسمه سواء كان التغيير الى الزيادة أو الى النقصان.

كما اذا أوصى لانسان بثمر هذا النخل ثم لم يمت الموصى حتى صار سرا أو أوصى له بهذا اللبس.

ثم صار رطبا أو أوصى بهذا العنب زبيبا أو بهذا السنبل فصار حنطة أو بهذا القصيل فصار شعيرا أو بالحنطة المبذورة فى الأرض فنبتت وصارت بقلا أو بالبيضة فصارت فرخا أو نحو ذلك.

ثم مات الموصى بطلت الوصية فيما أوصى به فيثبت الرجوع ضرورة هذا اذا تغير الموصى به قبل موت الموصى به لأنه صار شيئا آخر لزوال معناه واسمه (٢).

فتتعذر تنفيذ الوصية فيما أوصى به ولو أوصى برطب هذا النخل فصار مؤبرا.

فالقياس أن تبطل الوصية لتغير الموصى به وهو الرطب من الرطوبة الى البيوسة وزوال اسمه وفى الاستحسان لا تبطل لأن معنى الذات لم يتغير من كل وجه بل بقى من وجه.

ألا يرى أن غاصبا لو غصب رطب انسان فصار ثمرا فى يده لا ينقطع حق المالك بل يكون له الخيار ان شاء أخذه تمرا وأن شاء ضمنه رطبا مثل رطبة.

وتبطل الوصية بجنون الموصى جنونا (٣) مطبقا لأن الوصية عقد جائز كالوكالة فيكون لبقائه حكم الانشاء.

كالوكالة فتعتبر أهلية العقد الى وقت الموت كما تعتبر أهلية الأمر فى باب الوكالة ولو أغمى عليه لا تبطل (٤).


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشمائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج‍ ٧ ص ٣٨٠ الطبعة الأولى بالجمالية سنة ١٣٢٨ سنة ١٩١٠
(٢) المرجع السابق ج‍ ٧ ص ٣٨٤، ٣٨٥ نفس الطبعة
(٣) الجنون المطبق هو أن يمتد شهرا عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وعن محمد رحمه الله تعالى يمتد سنة (بدائع الصنائع ج‍ ٧ ص ٣٩٤ الطبعة السابقة
(٤) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج‍ ٧ ص ٣٩٤ الطبعة السابقة