للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للهبة ووصيته ببيعه أو اعتاقه لوكنه وصى بما ينافى الوصية الأولى والكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وان رهنه كان رجوعا لأنه علق به حقا يجوز بيعه فكان أعظم من عرضه على البيع وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع لأنه لا يزيل الملك فأشبهه اجارته.

وكذلك الحكم فى الكتابة (١).

وان وصى بحب ثم طحنه أو بدقيق ثم عجنه أو بعجين ثم خبزه أو بخبز ففته أو جعله فتيتا كان رجوعا لأنه أزال أسمه وعرضه للاستعمال فدل على رجوعه وان وصى بكتان أو قطن فغزله أو بغزل فنسجه أو بثوب فقطعه أو بنقرة فضربها أو شاة فذبحها كان رجوعا وبهذا قال أصحاب الرأى رحمهم الله تعالى لأنه عرضه للاستعمال فكان رجوعا كالتى قبلها واختار أبو الخطاب رحمه الله تعالى أنه ليس برجوع لأنه لا يزيل الاسم.

وان وصى بشئ معين ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعا لأنه يتعذر بذلك تسليمه فيدل على رجوعه فان خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعا لأنه يمكن تسليمه.

وان وصى بقفيز قمح من صبرة ثم خلطها بغيرها لم يكن رجوعا سواء خلطها بمثلها أو بخير منها أو دونها لأنه كان مشاعا وبقى مشاعا وقيل ان خلطه بخير منه كان رجوعا لأنه لا يمكن تسليم الموصى به الا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار معتذر التسليم بخلاف ما اذا خلطه بمثله أو دونه واذا حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من غير فعل الموصى مثل أن سقط‍ الحب فى الأرض فصار زرعا أو انهدمت الدار فصارت فضاء فى حياة الموصى بطلت الوصية بها لأن الباقى لا يتناوله الاسم وان كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت اليه دون ما انفصل منها لأن الاسم حين الاستحقاق يقع على المتصل دون المنفصل ويتبع الدار فى الوصية ما يتبعها فى البيع وان جحد الوصية لم يكن رجوعا فى أحد الوجهين لأنه عقد فلا يبطل بالجحود كسائر العقود.

والوجه الثانى يكون رجوعا لأنه يدل على أنه لا يريد ايصاله الى الموصى له وان غسل الثوب أو لبسه أو جصص الدار أو سكنها أو أجر الأمة أو زوجها أو علمها أو وطئها لم يكن رجوعا لأن ذلك لا يزيل الملك ولا الاسم ولا يدل على الرجوع ويحتمل ان وط‍ ء الأمة رجوع لأنه يعرضها للخروج عن جواز النقل والأول أولى لأنه انتفاع لا يزيل الملك فى الحال ولا يفضى اليه يقينا فأشبه لبس الثوب فانه ربما أتلفه وهو ليس برجوع واذا وصى برجوع واذا وصى لرجل بمعين من ماله ثم وصى به لآخر أو وصى له بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به ألآخر فهو بينهما ولا يكون ذلك رجوعا فى الوصية الأولى لأنه وصى لها بها فاستويا فيها كما لو قال لها وصيت لكما بالجارية ولو مات الموصى له قبل موت الموصى بطلت الوصية هذا قول أكثر أهل العلم.

روى ذلك عن على رضى الله تعالى عنه لأنها عطية صادفت المعطى ميتا فلم تصح كما لو وهب ميتا وذلك لأن الوصية عطية بعد الموت واذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضا واذا رد الموصى له بالوصية لم بخل من أربعة أحوال:

أحدهما أن يردها قبل موت الموصى فلا يصح الرد ههنا لأن الوصية لم تقع بعد فأشبه رد المبيع قبل ايجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول فلا يكون محلا للرد كما هو الشأن قبل الوصية.


(١) المغنى لابن قدامة المقدسى ج‍ ٦ ص ٦٦ وص ٦٧