للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقد بينه وبين المفلس المحجور عليه ويرجع فى عين ماله بالشروط‍ التى ستذكر وله إن شاء - ألا يفسخ ويكون أسوة الدائنين فيما يستحقه، وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر، لان الافلاس سبب يثبت جواب الفسخ فلا يوجبه كالعيب والخيار. وسواء كان ذلك قبل الافلاس والحجر أم بعده حيث كان البائع جاهلا بذلك فان كان عالما بالحجر فلا فسخ ولا رجوع له فى عين ماله لدخوله على بصيرة ويطالب ببدلها بعد فك الحجر عن المفلس. وخيار الرجوع فى ذلك يكون على التراخى فى أحد الوجهين، لانه حق رجوع يسقط‍ الى عوض فكان على التراخى كالرجوع فى الهبة.

والثانى: يكون على الفور، لأن جواز تأخيره يقضى الى الضرر بالدائنين لافضائه الى تأخير حقوقهم فأشبه خيار الأخذ بالشفعة. وهذا هو الأصح عند القاضى أبى يعلى. ويصح الرجوع فى العين المبيعة وغيرها مما ذكر بالقول كرجعت فى متاعى أو أخذته أو استرجعته أو فسخت البيع أو نحوه، ويكون رجوعه هذا فسخا حقيقة أو حكما. فلا يصح رجوعه بفعل فقط‍ كأخذه العين ولو نوى به الرجوع. ولا يفتقر الفسخ بسبب افلاس المشترى ونحوه الى حكم القاضى به اذا استوفى شرائطه لأنه فسخ ثبت بالنص فلم يفتقر الى حكم. ولو حكم قاض يكون الذى وجد متاعه عند المفلس أسوة الدائنين فانه يجوز لقاض آخر أن ينقضه نصا. وكذلك لا يفتقر الفسخ والرجوع الى شروط‍ البيع من معرفة الرجوع فيه والقدرة على تسليمه ونحو ذلك لأنه فسخ لا بيع، فلو رجع البائع ونحوه فى حيوان ضال صح رجوعه وصار الحيوان ملكا له فان وجده أخذه وان لم يجده أو تبين تلفه بموت أو غيره بعد الرجوع فهو من مال الراجع لدخوله فى ملكه بالرجوع وان تبين تلفه أو موته قبل الرجوع بطل الرجوع السابق فيه لفوات محل الفسخ بهلاكه فلا يمكن الرجوع فيه. ويقاسم مع الدائنين بالثمن فى مال المفلس. وان رجع فى شئ اشتبه بغيره من أموال المفلس واختلف المفلس وصاحبه فى تعيينه قدم تعيين المفلس لأنه ينكر دعوى استحقاق الراجع والاصل عدمه. وان بذل الدائنون الثمن ونحوه لصاحب السلعة لم يلزمه قبوله سواء بذلوه من أموالهم أو من أموال المفلس لأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلا يجبر صاحب الحق على قبضه.

وكذلك لا يلزم القبول وله أن يأخذ سلعته ان قال له المفلس: أنا أبيعها وأعطيك ثمنها أما ان دفع الدائنون الى المفلس الثمن فبذله المفلس لصاحب السلعة لم يكن له الفسخ واستقر البيع كما لو لم يفلس لزوال الاداء منه، أو زاد ثمن أعيان ماله فصارت قيمتها وافية بحقوق الدائنين بحيث يمكنه أداء الثمن كله.

ويشترط‍ لاستحقاق البائع ونحوه الرجوع فى عين ماله عند المفلس الشروط‍ الآتية:

أولا: أن يكون المفلس حيا الى حين أخذ السلعة من يده. فان مات فالبائع أسوة الدائنين، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم قال: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذى ابتاع ولم يقبض الذى باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وان مات المشترى فصاحب المتاع أسوة (١) الغرماء ولأن الملك انتقل من المفلس الى الورثة هذا فضلا عن أن ذمة المفلس تخرب بالموت خرابا لا يعود فاختصاص أحد الدائنين بالعين يتضرر به باقى الدائنين كثيرا بخلاف حال الحياة.

ثانيا: أن يكون عوض العين كله باقيا فى ذمة المفلس لم يقبض البائع منه شيئا ولم يبرئ المفلس من بعضه فان أدى المفلس بعض الثمن أو الاجرة أو القرض أو السلم ونحوه أو ابرئ منه فصاحب ذلك أسوة الدائنين فى الباقى ولا رجوع له فى عين ماله لما تقدم من الحديث، ولأن فى الرجوع فى قسط‍ باقى العوض تبعيضا للصفقة الأمر الذى يؤدى الى ضرر المفلس والدائنين لكونه لا يرغب فيه كالرغبة فى الكامل. ثالثا: أن تكون السلعة باقية بعينها لم يتلف بعضها، فان تلف جزء منها كبعض أطراف الحيوان أو ذهبت عينه أو تلف بعض الثوب أو انهدم بعض الدار، أو نحو هذا لم يكن للبائع الرجوع فى عينه هذه ويكون أسوة الدائنين. وهذا ان كانت السلعة


(١) سبق تخريج هذا الحديث فى مذهب المالكية فى هذا الموضوع.