عينا واحدة. أما ان كانت عينين كثوبين ونحوهما فتلف أحدهما أو بعض أحدهما وبقى الاخر ففى جواز الرجوع فى الباقى روايتان: احداهما: يرجع فيه لأن السالم من المبيع وجده البائع بعينه فيدخل فى عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به» لأنه مبيع وجد بعينه فكان للبائع الرجوع فيه كما لو كان جميع المبيع. والثانية: لا يرجع فيه ويكون أسوة الدائنين لأنه لم يجد المبيع بعينه لأن بعضه تالف فلم يملك الرجوع كما لو كان عينا واحدة. وان نقصت مالية المبيع لذهاب صفة من صفاته مع بقاء عينه كحيوان طرأ عليه عند المفلس هزال أو كبر أو مرض وكثوب بلى لم يمنع من الرجوع، لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله لكنه يتخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه، وبين أن يقاسم مع الدائنين بكمال ثمنه، لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو نحوه فيصير كنقصه لتغير الأسعار. وان تغيرت صفة العين بما يزيل اسمها كطحن الحنطة أو زرعها أو خبز الدقيق أو عمل الزيت صابونا أو قطع الثوب قميصا أو نسج الغزل ثوبا أو نجر الخشب أبوابا أو كان بيضا فصار فراخا ونحو ذلك من كل تغير يزيل الاسم الأول للعين فانه يسقط حق الرجوع لصاحب ذلك ان أفلس مشتريه ونحوه قبل دفع الثمن ويكون صاحبه أسوة الدائنين لأنه لم يجد متاعه بعينه فصار كما لو تلف عند المفلس.
وكذلك يسقط حق الرجوع فى العين ان خلطها المفلس بما لا تتميز منه فلو كانت زيتا فخلطه بنحو زيت أو كانت قمحا فخلطه بقمح أو ما لا يمكن تمييزه منه فلا رجوع لصاحبه فيه أيضا، لأنه لم يجد عين ماله ولأن ما يأخذه من غير عين ماله انما يأخذه عوضا عن ماله فلا يختص به دون الدائنين وقول النبى صلّى الله عليه وسلّم:«من أدرك متاعه بعينه» أى من قدر عليه وتمكن من أخذ أخذه من المفلس. رابعا: أن تكون العين كلها باقية فى ملك المفلس، فان أفلس بعد خروجها عن ملكه يبيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك لم يكن للبائع ونحوه الرجوع، لأنه لم يدرك متاعه عند المفلس، سواء كان يمكن للمفلس استرجاعه بخيار له أو عيب فى ثمنه أو رجوعه فى هبة ولده أو غير ذلك أم لا وخروج بعض المبيع من ملك المفلس بشئ مما ذكر كخروجه كله لما تقدم. أما ان وجد دائن المفلس سلعته بعينها ضمن ماله وكان المفلس قد أخرجها عن ملكه قبل الافلاس ثم عادت اليه ففى رجوع الدائن فيها حينئذ ثلاثة أوجه.
أحدها: أن له الرجوع للحديث، ولأنه وجد عين ماله خاليا عن حق غيره فأشبه ما لو لم يبيعها المفلس.
والثانى: لا يرجع لأن حقه متعلق بالعقد الأول المتلقى عنه. أما الثانى فغير متلق عنه فلا يستحق فيه رجوعا.
والثالث: أنه ان عاد المبيع مثلا الى المفلس بسبب جديد كبيع أو هبة أو ارث أو وصية أو نحو ذلك لم يكن للبائع ونحوه الرجوع، لأنه لم يصر اليه بسبب من جهته. وان عاد اليه بفسخ كالاقالة والرد بعيب أو خيار ونحو ذلك فللبائع الرجوع، لأن الملك العائد بالفسخ تابع للملك الاول لأن الفسخ رفع للعقد الحادث فيعود الملك كما كان.
خامسا: ألا يتعلق بالعين حق الغير، فان رهنها المفلس قبل افلاسه لم يملك البائع ونحوه الرجوع لسبق حق المرتهن ولأن الرجوع اضرار بالمرتهن ولا يزال الضرر بالضرر. فان كان دين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله فقضى منه دين المرتهن والباقى يرد على مال المفلس ليقسم معه بين سائر الدائنين، وان بيع بعضه لوفاء دين المرتهن فباقيه لهم يباع ايضا ولا يرجع فيه البائع. وكذلك ان اشترى شقصا مشفوعا أى الغير بالشفعة ثم أفلس فلا رجوع للبائع فيه. ويكون أسوة الدائنين لسبق حق الشفيع لكونه ثبت بالبيع والبائع ثبت حقه بالافلاس والحجز.
وقيل: البائع أحق به لأنه اذا رجع فيه عاد الشقص اليه فيزول الضرر عن الشفيع لأنه عاد كما كان قبل البيع. فان أسقط الشفيع حقه من الشفعة أو أسقط المرتهن حقه من الرهن فكما لو لم يتعلق بالعين حق فلصاحبها أخذها لأنه أدرك عين ماله عند المفلس.