منه عندنا، وحجتنا فى ذلك أن هذا غير مضمون بالقيمة على من يستهلكه فلا يجوز أن يستقرض كالجوارى ولهذا تبين انه لا يمكن اثبات الحيوان دينا فى الذمة بمقابلة ما هو مال مع اعتبار المعادلة فى المالية لانه لا يصار فى المستهلكات الى القيمة الا عند تعذر ايجاب المثل، وموجب القرض ثبوت المثل فى الذمة بشرط المعادلة فى المماثلة، فاذا تعذر ذلك فى الحيوان لم يجز ان يستقرض، وبه فارق ثبوت الحيوان فى الذمة بدلا عما ليس بمال لأن ذلك ليس شرط المعادلة فى المماثلة مع أنه لا يثبت فى الذمة ثبوتا صحيحا حتى لو أتاها بالقيمة اجبرت على قبوله ولا مدخل لذلك فى القرض ابتداء وأما ما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقرض بكرا ورد رباعيا وقال: خيركم أحسنكم قضاء فائما استقرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للبيت المالى حتى روى أنه صلّى الله عليه وسلّم قضاه من ابل الدصدقة وما كان صلّى الله عليه وسلّم بقضى ما استقرضه لنفسه من أبل الصدقة بيت المال يثبت له وعليه حقوق مجهولة. وقيل:
كان صلّى الله عليه وسلّم استسلف فى الصدقة بكرا فان الاستسلاف والاستقراض يتفاوت ثم لم تجب الزكاة على صاحب المال فرد بعد ما صار رباعيا وقيل هذا كان فى وقت كان الحيوان فيه مضمونا بالمثل ثم انتسخ ذلك. فان قبض الحيوان بحكم القرض وجب عليه ان برده، ولو باعه نفذ بيعه وعليه ضمان قيمته، لأن ما قبض بحكم قرض فاسد بمنزله ما قبض بحكم بيع فاسد، اذ الفاسد معتبر بالجائز لأنه لا يمكنه ان يجعل الفاسد أصلا فى معرفة حله، لأن الشرع لا يرد به فلابد من ان يعتبر بالجائز. وكذلك العقار والثياب حكم الاستقراض فيها كحكم الاستقراض فى الحيوان وفرق علماؤنا رحمهم الله تعالى بين السلم والقرض فى الثياب، فقالوا: الثياب لا تثبت فى الذمة ثبوتا صحيحا الا مؤجلا، والقرض لا يكون الا حالا. وحقيقة المعنى ان المعتبر فى المسلم فيه اعلام المالية على وجه لا يبقى فيه تفأوت الا يسيرا ليكون المقصود بالعقد معلوما للعاقد وذلك فى الثياب بذكر الوصف ممكن أما فى باب القرض فالشرط اعتبار المماثلة فى العين المقبوضة وصفة المالية وذلك لا يوجد فى الثياب بدليل انها لا تضمن بالمثل عند الاستهلاك فلهذا لا يجوز الاستقراض فيها وكذا لا يجوز اقراض الخشب والحطب والقصب والرياحين الرطبة والبقول، لأنها مضمونة بالقيمة عند الاستهلاك، فأما الحناء والوسمة والرياحين اليابسة التى تكال فأنه لا بأس بأن تستقرض لأنها مضمونة بالمثل عند الاستهلاك (١). وجاء فى الفتاوى الهندية، أنه يجوز استقراض القرطاس عددا، ويجوز استقراض الجوز كيلا وكذا استقراض البازنجان عددا ونقل عن الفتاوى العتابية عن ابن سلام رحمه الله تعالى ان قرض اللبن - بكسر الباء - والأجر عددا يجوز اذا لم يتفاوت كذا فى التتار خائية ويجوز استقراض اللحم وهو الاصح كذا فى محيط السرفى وجاء فى فتاوى قاضيخان أن أقراض اللحم عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز كما يجوز
(١) المبسوط لشمس الدين للسرخسى ج ١٤ ص ٣٢، ٣٣ الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر