للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان لى على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فقضانى وزادنى، ولما روى من طريق وكيع باسناده عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: استقرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنا فأعطاه سنا فوق سنه وقال: خياركم محاسنكم قضاء. وهو قول السلف رضوان الله تعالى عليهم (١). فأن قضاه من غير نوع ما استقرض لم يحل أصلا لا بشرط‍ ولا بغير شرط‍ مثل أن يكون أقرضه ذهبا فيرد عليه فضة أو غير ذلك، وهكذا فى كل شئ وذلك لقول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم وهو اذا رد غير ما كان عليه فقد أخذ غير حقه، ومن أخذ غير حقه فقد أكل المال بالباطل. فان قالوا انما هو من باب البيع كأنه باع منه ما كان له عنده بما أخذ منه قلنا:

هذا حرام لا يحل لأنه ليس له عنده شئ بعينه ولا يحل البيع الا فى شئ بعينه وهو بيع ما ليس عندك وبيع ما لم يقبض، وكل هذا قد صح النهى عنه وهو فيما يقع فيه الربا ربا محض (٢). فان كان الدين حالا كان الذى أقرض ان يأخذ به المستقرض متى أحب ان شاء اثر اقراضه اياه وان شاء أنظره به الى انقضاء حياته (٣).

فان طالبه صاحب الدين بدينه والشئ المستقرض حاضر عند المستقرض لم يجز أن يجبر المستقرض على أن يرد الذى اخذ بعينه ولا بد لكن يجبر على ان يرد مثله اما ذلك الشئ وأما غيره مثله من نوعه لأنه قد ملك الذى استقرض وصار كسائر ماله ولا فرق ولا يجوز ان يجبر على اخراج شئ بعينه من ماله اذ لم يوجب عليه قرآن ولا سنة فان لم يوجد له غيره قضى عليه حينئذ برده لأنه مأمور بتعجيل انصاف غريمه فتأخيره بذلك وهو قادر على الانصاف ظلم، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «مطل الغنى ظلم» وهذا غنى فمطله (٤) ظلم ومن لقى غريمه فى بلد بعيد أو قريب وكان الدين حالا أو قد بلغ أجله فله أن يطالبه وان يأخذه بحقه ويجبره الحاكم على انصافه سواء كان الدين عرضا أو طعاما أو حيوانا أو دنانير أو دراهم، كل ذلك سواء ولا يحل ان يجبر صاحب الحق على أن لا ينتصف الا فى الموضع الذى تداينا فيه برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مطل الغنى ظلم» وأمره صلّى الله عليه وسلّم ان يعطى كل ذى حق حقه ولأنه لا دليل من قرآن ولا سنة ولا قول صاحب ولا قياس على أنه لا يجوز أن يجبر على انصافه الا حيث تداينا (٥). وان أراد الذى عليه الدين المؤجل أن يعجله قبل أجله بما قل أو كثر لم يجبر الذى له الحق على أن يقبله أصلا وكذا لو أراد الذى له الحق أن يتعجل قبض دينه قبل أجله بما قل أو كثر لم يجز أن يجبر الذى عليه الحق على ان يؤديه سواء كان فى كل ذلك الدنانير والدراهم والطعام كله


(١) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ٨ ص ٧٧ إلى وما بعدها الى ص ٧٩ مسئلة رقم ١١٩٣ الطبعة السابقة.
(٢) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ٨ ص ٧٩ مسئلة رقم ١١٩٤ الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق ج ٨ ص ٧٩ مسئلة رقم ١١٩٦ الطبعة السابقة.
(٤) المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج ٨ ص ٧٩ مسئلة رقم ١١٩٧ الطبعة السابقة
(٥) المرجع السابق ج ٨ ص ٨٠، ص ٨١ مسئلة رقم ١١٩٩ الطبعة السابقة.