للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعروض كلها والحيوان فلو تراضيا على تعجيل الدين أو تعجيل بعضه قبل ان يحل أجله أو اتفقا على تأخيره بعد حلول أجله أو على تأخير بعضه جاز كل ذلك وهو قول أبى سليمان وأصحابنا (١). وكل ما اقترض مما يمكن وزنه أو كيله أو عدده أو زرعه معلوم العدد أو الزرع أو الكيل أو الوزن فان رد جزافا فكان ظاهرا متيقنا أنه أقل مما أقترض فرضى ذلك المقرض أو كان ظاهرا متيقنا أنه أكثر مما اقترض وطابت نفس المقترض بذلك فان كل ذلك جائز حسن فان لم يدر أهو مثل ما اقترض أم أقل أم أكثر لم يجز له لأنه لا يجوز مال أحد الا بطيب نفس منه ورضاه ولا بكون الرضا وطيب النفس الا على معلوم ولا بد لا على مجهول (٢). ولا يجوز تعجيل بعض الدين المؤجل على أن يبريه من الباقى فان وقع مثل ذلك وجب أن يرد وأن يصرف الى الغريم ما أعطى لأنه شرط‍ ليس فى كتاب الله تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كل شرط‍ ليس فى كتاب الله فهو باطل فلو عجل الذى عليه الحق بعض ما عليه بغير شرط‍ ثم رغب الى صاحب الحق فى أن يضع عنه الباقى أو أن يضع بعض الباقى فأجابه الى ذلك أو وضعه عنه أو بعضه بغير رغبة فكل ذلك جائز حسن وكلاهما مأجور لأنه ليس هاهنا شرط‍ أصلا لكن أحدهما سارع الى الخير فى أداء بعض ما عليه فهو محسن والآخر سارع الى الابراء من حقه فهو محسن وقد قال الله عز وجل «وافعلوا الخير» وهذا كله خير. وكل من مات وله ديون على الناس مؤجلة أو للناس عليه ديون مؤجلة فكل ذلك سواء وقد بطلت الآجال كلها وصار كل ما عليه من دين حالا وكل ماله من دين حالا سواء فى ذلك كله القرض والبيع وغير ذلك. برهان ذلك قول الله تعالى:

«ولا تكسب كل نفس إلا عليها» وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، وقال الله تعالى فى حكمه فى المواريث فذكر فرائض المواريث وقال عز وجل «من بعد وصية يوصى بها أو دين» فصح أن بموت الإنسان بطل حكمه عن ماله وانتقل إلى ملك الغرماء والموصى لهم والوصية بغير طيب أنفسهم فبطل حكم التأجيل فى ذلك، ووجب للورثة وللوصية أخذ حقوقهم وكذلك لا يحل للورثة إمساك مال غريم ميتهم إلا بطيب نفسه لأن عقده إنما كان مع المتوفى إذ كان حيا فلا يلزمه أن يبقى ماله بأيدى ورثة لم يعاملهم قط‍، ولا يحل لهم إمساك مال الذى له الحق عنه والله تعالى لم يجعل لهم حقا ولا للوصية إلا بعد انصاف أصحاب الديون (٤).


(١) المرجع السابق ج ٨ ص ٨١، ص ٨٢ مسئلة رقم ١٢٠٠ الطبعة السابقة
(٢) المرجع السابق ج ص ٨٣ مسئلة رقم ١٢٠٣ الطبعة السابقة.
(٣) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ٨ ص ٨٣، ص ٨٤ مسئلة رقم ١٢٠٤ الطبعة السابقة
(٤) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ٨ ص ٨٤، ص ٨٥ مسئلة رقم ١٢٠٦ الطبعة السابقة