للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن العمل بظاهره لما اقتضى أن لا يوجد عمل بلا نية لدخول اللام المستغرقة للجنس فى الأعمال ثم الحكم بانها تفتقر الى النية وقد تعذر العمل به لتأديته الى الكذب الذى هو مستحيل فى كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم لتحقق كثير من الاعمال بدون النية لم يكن بد من ادراج شئ يصح به الكلام ويمكن العمل به وهو الحكم او الاعتبار وعلى ذلك التقدير يتغير الكلام لأن الحكم حينئذ يصير هو المبتدأ المحكوم عليه ويرتفع بالابتداء وينجر لفظ‍ الاعمال الذى كان مرفوعا بالابتداء ومحكوما عليه بالاضافة فكان من قبيل المحذوف لا من قبيل المقتضى. ثم قال البزدوى (١): وما حذف اختصارا وهو ثابت لغة كان عاما أى يقبل العموم لأن الاختصار احد طريقى اللغة فكان المختصر ثابتا لفظا والعموم من اوصاف اللفظ‍ بخلاف الملقتضى فأنه أمر شرعى ثبت ضرورة مثل تحليل الميتة بالضرورة فلا يزيد عليها لأنها تندفع بالخاص فلا يصار الى العموم من غير ضرورة لأنه اثبات الشئ بلا دليل. وكلام الإباضية قريب من كلام المذاهب السنية فقد جاء فى شرح طلعة الشمس فى اصول المذهب الأباضى (٢): أن اللفظ‍ الذى له معنى اما أن يدل على معناه بعبارته واما ان يدل عليه باشارته واما ان يدل عليه باقتضائه واما ان يدل عليه بدلالته (٣) ثم قال: أما الدال باقتضائه فهو مضمر مقصود يتوقف عليه صدق الكلام او صحته العقلية أو الشرعية ولا يكون الا بطريق الاستلزام فمثال ما توقف عليه صدق الكلام لغة قوله صلّى الله عليه وسلّم «رفع عن امتى الخطأ والنسيان فان صدق هذا الكلام متوقف على مضمر محذوف تقديره رفع عن امتى اثم الخطأ والنسيان فلفظ‍ الاثم هو المضمر المحذوف الذى احتاج اليه الكلام واقتضاه لأن الخطأ والنسيان موجودان فى الأمة وقطعنا بصدق الشارع فاحتاج كلامه الى المضمر المحذوف، ومثال ما توقف عليه صحة الكلام عقلا قوله تعالى «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها ٤» فان العقل لا يجوز سؤال القرية نفسها فتوقفت صحة هذا الكلام عقلا على اضمار لفظ‍ الأهل.

ومثال ما توقفت عليه صحة الكلام شرعا قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد» و، «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» ولولا تقدير الصحة فى الحديث الثانى والكمال فى الحديث الأول ما صح هذا الكلام شرعا. ومنه قولك: اعتق عبدك عنى بمائة اذ التقدير بع منى عبدك واعتقه عنى ولولا هذا المضمر المحذوف لما صح هذا الكلام شرعا اى لولا ذلك لما لزمه ثمن ولا كان العتق مجزيا عنه لكنه يجزئ عنه العتق ويلزمه الثمن بتقدير ذلك المحذوف وأما


(١) كشف الاسرار على البزدوى ج ١ ص ٥٦٦ الطبعة السابقة.
(٢) طلعة الشمس ج ١ ص ٢٥٥ الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق ج ١ ص ٢٥٧ الطبعة السابقة.
(٤) الاية رقم ٨٢ من سورة يوسف.