للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفسير بالباقى الى سقوط‍ الاقرار بخلاف التى قبلها (١).

(٣، ٤) ألا يستغرق المستثنى. المستثنى منه ولا يتناول اكثره (٢) ولا يصح استثناء الكل بغير خلاف لان الاستثناء رفع بعض ما تناوله اللفظ‍ واستثناء الكل رفع الكل فلو صح صار الكلام كله لغوا غير مفيد. فان قال: له على درهم ودرهم الا درهما او ثلاثة دراهم ودرهمان الا درهمين او ثلاثة دراهم ونصف الا نصفا او الا درهما. أو خمسة وتسعون الا تسعين - لم يصح الاستثناء فى ذلك كله ولزمه جميع ما اقر به قبل الاستثناء وفيه وجه آخر وهو انه يصح لان الواو العاطفة تجمع بين العددين وتجعل الجملتين كالجملة الواحدة. ومن أصلنا أن الاستثناء اذا تعقب جملا معطوفا بعضها على بعض بالواو عاد الى جميعها كقولنا فى قول الله تعالى «ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا». ان الاستثناء عاد الى الجملتين فاذا تاب القاذف قبلت شهادته .. ومن ذلك قول النبى صلّى الله عليه وسلّم: ولا يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه .. ولا يجلس على تكرمته الا باذنه، والوجه الاول اولى لان الواو لم تخرج بالكلام عن ان يكون جملتين.

والاستثناء يرفع احداهما جميعها ولا نظير لهذا فى كلامهم. ولأن صحة الاستثناء تجعل احدى الجملتين مع الاستثناء لغوا لأنها اثبت شيئا بلفظ‍ مفرد ثم رفعه كله فلا يصح كما لو استثنى منها وهى غير معطوفة على بعضها فأما الآية والخبر فان الاستثناء لم يرفع احدى الجملتين انما اخرج من الجملتين معا من اتصف بصفة فنظيره ما لو قال للبواب: من جاء يستأذن فائذن له واعطه درهما الا فلانا ..

ونظير مسألتنا ما لو قال: اكرم زيدا وعمرا الا عمرا. لا يختلف (٣) المذهب أنه لا يجوز استثناء ما زاد على النصف ويحكى ذلك عن ابن درستويه النحوى. وقال الائمة الثلاثة يجوز استثناء الاكثر. وانما يمتنع استثناء الكل. فلو قال: له على مائة الا تسعة وتسعين لم يلزمه الا واحدا بدليل قوله تعالى: «قال فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين» وقوله تعالى:

«ان عبادى ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين».

فاستثنى فى موضع الغاوين من العباد وفى موضع العباد من الغاوين وأحد الفريقين أكثر فأيهما كان الاكثر فقد دل على استثناء الاكثر فكان جائزا كاستثناء الاقل. ولانه رفع بعض ما تناوله اللفظ‍ فجاز فى الاكثر كما جاز فى الاقل وكما فى التخصيص والبدل.

ولنا انه لم يرد فى لسان العرب الاستثناء الا فى الاقل. وقد انكروا استثناء الاكثر فقال ابو اسحاق الزجاج: لم يأت الاستثناء الا فى القليل من الكثير ولو قال قائل. مائة الا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية وكان عيا من الكلام ولكنة. وقال العتيبى:

يقال: صمت الشهر الا يوما ولا يقال:

صمت الشهر الا تسعة وعشرين يوما. ويقال:


(١) الشرح الكبير ج‍ ٥ ص ٣٠١ وما بعدها.
(٢) المغنى ج‍ ٥ ص ٢٨٢ وما بعدها.
(٣) المرجع السابق ص ٣٠٢ وما بعدها.