للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجعل بعضهم ذوى النهى وجعل منهم أعلام الدين وأئمة الهدى ومصابيح الدجى. وابتلى بعضهم بما شاء من أسباب الردى كالجنون الموجب لعدم العقل والصغر والعته الموجبين لنقصانه فجعل تصرفهما غير نافذ بالحجر عليهما.

ولولا ذلك لكانت معاملتهما ضررا بأن يستجر من يعاملهما مالهما باحتياله الكامل. وجعل لهما من ينظر فى مالهما نظرا خاصا وعاما. وأوجب عليه النظر لهما. وجعل الصبا والجنون سببا للحجر عليهما. وكان كل ذلك منه رحمة ولطفا (١).

وموضع الحجر هو التصرفات القولية.

أما ضمان الأفعال فيكون فى مال المحجور عليه ولا يسأل عنه غيره.

والذين يحجر عليهم هم: الصغير.

والمجنون والمعتوه. والسفيه وذو الغفلة.

والمدين. ولا خلاف بين الفقهاء فى الحجر على بعض هؤلاء واختلفوا فى الحجر بالنسبة للبعض الآخر ويذكر بعض كتب الفقه الحنفى أنه يحجر على ثلاثة آخرين غير المذكورين عند أبى حنيفة. وهم الطبيب الجاهل. والمفتى الماجن والمكارى المفلس. والحجر على هؤلاء لمنع ضرر عام يصيب الناس فيفسد أبدانهم وأديانهم وأموالهم. وليس المراد هنا الحجر بمعنى منع التصرف القولى بل المراد المنع الحسى بأن يحول ولى الأمر بينهم وبين الناس لئلا يفتنوهم عن دينهم أو يتلفوا أموالهم أو أبدانهم - لما روى (٢) عن أبى حنيفة أنه كان لا يرى الحجر الا على ثلاثة: المفتى الماجن والطبيب الجاهل والمكارى المفلس ليس المراد منه حقيقة الحجر وهو المعنى الشرعى الذى يمنع نفوذ التصرف. ألا ترى أن المفتى لو أفتى بعد الحجر وأصاب فى الفتوى جاز ولو أفتى قبل الحجر وأخطأ لا يجوز. وكذا الطبيب لو باع الادوية بعد الحجر نفذ بيعه. فدل ذلك على أنه ما أراد به الحجر حقيقة وانما أراد به المنع الحسى أى بمنع ولى الأمر هؤلاء من عملهم حسا لأن المنع من ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

والصغر من حيث قوة الحجر فى الشريعة درجتان: صغر لا يكون معه تمييز أصلا. وفيه يكون الصغير فاقد الأهلية فلا يصح منه تصرف قط‍ وتكون عبارته ملغاة لا اعتبار لها شرعا وصغر معه تمييز. وفيه تكون عبارة الصغر معتبرة شرعا وتكون تصرفاته القابلة للنفع والضرر منعقدة ويتوقف نفاذها على اجازة من له الولاية المالية عليه لأنه ناقص الأهلية والصبى المميز هو الذى بلغ من السابعة للحد الأدنى للتمييز فى الكثير الغالب. وقد يحصل أن يجاوزها ولا تمييز مادام لا يعرف معانى العقود ومقتضياتها فى عرف الناس ولا يعرف العبن والكسب .. والتصرفات بالنسبة للصبى المميز ثلاثة أقسام:

الأول:

تصرفات نافعة نفعا محضا كقبول الهبات من غير عوض والوصايا والاستحقاق فى الأوقاف دون مقابل ولا التزام. وهذه تجوز من الصبى المميز دون حاجة الى اذن الولى.

والثانى:

تصرفات ضارة ضررا محضا كالتبرعات بأنواعها والطلاق والعتق وغيرها وهذه لا تجوز


(١) تبيين الحقائق ج‍ ٥.
(٢) بدائع الصنائع ج‍ ٧ ص ١٦٩.