وذو الغفلة هو الذى لا يهتدى الى التصرفات الرابحة فيغبن فى البياعات والمعاوضات. وهو يتشابه مع السفيه فى التصرفات من حيث فساد الرأى وسوء التدبير. وان كان السفيه فيه ذكاء ويقصد الى الاتلاف غير عابئ ولا مقدر للعواقب. وذو الغفلة فيه غباء وضعف كان هو السبب فى فساد رأيه وسوء تقديره.
ولذلك تشابهت الأحكام فيها: فأبو حنيفة منع الحجر عليهما. والصاحبان والشافعى وأحمد أجازوا الحجر عليهما وفى مذهب مالك بالنسبة لذى الغفلة قولان أصحهما انه يحجر عليه.
واختلف الصاحبان فى وقت الحجر على ذو الغفلة كما فى السفيه. فقال محمد من وقت حدوث الغفلة وثبوتها. وقال أبو يوسف من وقت الحكم. والراجح قول أبى يوسف وموضع الحجر فى السفيه وذى الغفلة هو التصرفات المالية الخالصة. اما ماعدا ذلك فهما فيه كالراشدين.
وبقسم الحنفية التصرفات بالنسبة لذلك الى قسمين: الأول. تصرفات قابلة للنقض ويبطلها الهزل.
وهذه هى التصرفات المالية. وهى موضع الحجر على السفيه وذى الغفلة. والثانى تصرفات لا تقبل النقض ولا يفسدها الهزل.
وهو النكاح والطلاق والعتاق للاثر الوارد فى ذلك: ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق - والعتاق. وعبارة السفيه ومن شابهه فى ذلك كعبارة الرشيد العاقل على سواء. فلا حجر فيها عليهما .. ولما فى الزواج من جانب مالى يجئ التقييد فى الالتزام المالى لا فى أصل العقد .. فاذا عقد أحدهما عقد زواجه بأكثر من مهر المثل انعقد الزواج ولكن لا يلزم الا مهر المثل ولا يؤدى القيم عليهما الا مهر المثل لأن الزواج بأكثر من مهر المثل يعتبر اسرافا وتبذيرا فيدخل هذا الجانب فى ضمن مواضع الحجر. والزواج فى ذاته لا يؤثر فيه الهزل كما ذكرنا فلا حجر فيه. وتسمية المهر يفسدها الهزل فكانت موضع الحجر.
والسفيه وذو الغفلة فى التصرفات المالية كالصبى المميز من حيث ان التصرفات النافعة نفعا محضا كقبول الهبات والوصايا تنفذ منهما من غير توقف على اجازة القيم والدائرة بين النفع والضرر يتوقف على اجازته. والضارة ضررا محضا كالتبرعات لا تجوز ولو أجازها القيم لأن القيم لا يملكها فلا يملك الاذن بها واستثنى من ذلك الوصية التى يجوز ان تحدث من الرشيد شرعا. والوقف على النفس ثم على من يشاء. فأنهما يجوزان من السفيه وذى الغفلة. اذ الحجر انما شرع للمحافظة على المال والحيلولة دون ان يصير الشخص كلا وعالة على الغير او ان يضر ورثته وأقاربه - والوصية تصرف فيما بعد الموت فلا تظهر له أثر ولا يضره فى حال الحياة. والورثة قد حفظ حقهم بعدم جواز تنفيذها فى أكثر من الثلث الا برضاهم واجازتهم. والوقف على النفس مادام حيا فيه محافظة على ماله من الضياع بمقتضى أحكام الفقه الحنفى.
وقد ذكروا أن السفيه وذا الغفلة كالصبى المميز الا فى أربعة. أحدها أن تصرف الوصى فى مال الصبى جائز وفى مال المحجور عليه (السفيه وذى الغفلة غير جائز) وثانيها. أن تصرف المحجور عليه فى النكاح والطلاق والعتق جائز. وتصرف الصبى فى ذلك باطل.