وتستمر هذه الحالة بالنسبة لهذا السفيه عند الامام أبى حنيفة الى أن يبلغ الخامسة والعشرين من عمره فاذا بلغها سلم اليه ماله وترك يتصرف فيه ويباشر العقود والتصرفات ولو كان سفيها مادام عاقلا. وذلك لأن المنع كان للتهذيب والتقويم وببلوغه هذه السن قد تجاوز الحد الذى يفيد فيه التقويم. فليترك هو وشأنه تلقنه الحياة دروسها - ولقد قال رضى الله عنه: اذا بلغ الخامسة والعشرين احتمل ان يكون جدا.
فأنا استحى أن أحجر عليه.
هذا اذا بلغ الصبى سفيها واستمر معه السفه. أما اذا بلغ رشيدا وطرأ عليه السفه بعد البلوغ او استمر السفه معه بعد بلوغ الخامسة والعشرين فهذا موضع الخلاف بين أبى حنيفة وجمهور الفقهاء - فأجاز الجمهور ومنهم الصاحبان أبو يوسف ومحمد الحجر عليه. ومنع أبو حنيفة وزفر ذلك الحجر.
والاستدلال من الطرفين مبسوط فى كتب الفقه لا داعى للاطالة بذكره.
ومع ان الصاحبين قد اتفقا على انه يحجر على السفيه فأنهما قد اختلفا فى وقت ابتداء الحجر .. فقال ابو يوسف: أن الحجر يبتدئ من وقت حكم القاضى به. وقبل ذلك لا حجر عليه ولو كان السبب وهو السفه قائما وتنفذ تصرفاته كلها لأن الحجر على السفيه موضع خلاف اذ قد خالف فيه ابو حنيفة وزفر فلابد من ترجيح جانب الحجر بحكم القضاء - ولأن افساد التدبير المقتضى للحجر أمر يحتاج الى تقدير - فقد تختلف فيه الانظار والافكار.
ولا يفصل فى ذلك الا حكم القضاء ولأن أمر السفيه فى هذه الحالة متردد بين ضررين ضرر الحجر بأهدار كرامته وضياع آدميته. ان حجر عليه. وضرر ضياع ماله ان لم يحجر عليه والقاضى هو الذى يزن الامر ويحكم فيه باختيار أخف الضررين.
وقال محمد أن الحجر يبتدئ من وقت وجود السفه دون توقف على حكم القاضى.
لأن القضاء ليس سببا للحجر ولا شرطا فى السبب. وانما سببه التبذير واتلاف المال ..
ومتى وجد السبب وجد المسبب لا محالة .. ولأن الحجر بسبب السفه كالحجر بسبب العته كلاهما علة للحجر. والحجر فيهما لمعنى فى ذات المحجور .. والحجر فى العته يبتدئ من وقت وجوده بالاتفاق فالحجر للسفه كذلك يبتدئ من وقت وجوده.
وفى أحكام القرآن للقرطبى. واختلف فى أفعال السفيه قبل الحجر. فقال مالك وجميع أصحابه غير ابن القاسم أن فعل السفيه وأمره كله جائز حتى يضرب الامام على يده وهو قول الشافعى وأبى يوسف .. وقال ابن القاسم أفعاله غير جائزة وان لم يضرب الامام على يده وقال أصبغ: ان كان ظاهر السفه فأفعاله مردودة .. وان كان غير ظاهر السفه فلا ترد افعاله حتى يحجر عليه الامام، واحتج سحنون لقول مالك بقوله: لو كانت افعال السفيه مردودة قبل الحجر ما احتاج السلطان الى ان يحجر على أحد - وقول أبى يوسف أليق بنظام التعامل الذى ينبغى أن يقوم على تحديد واضح واحكام محددة وهو الراجح فى المذهب فقد جاء فى ابن عابدين (١) - وظاهر كلامهم ترجيح قول أبى يوسف على قول محمد.