اعتدوا فى ذلك بما يحف به من القرائن وجملة القول فى ذلك أن جمهور الفقهاء لم يعتدوا بما استتر فى النفس من غرض أو قصد باطن اذا كان محظورا اذ لا تصلح بواطن النفوس أساسا للحكم وانما مناط الأحكام بصدور العبارة الدالة على الالتزام صحيحة سليمة.
وخلاصة ما ذهب اليه كثير من الفقهاء فى هذا الموضوع: ان الملتزم اذا اتجهت ارادته من انشاء التزامه الى جعله وسيلة لتحقيق غرض لم يكن مقصودا للشارع من شرعه، فقد يكون هذا الغرض مباحا غير محظور وقد يكون محظورا حرمه الشارع. فاذا كان مباحا يؤثر ذلك فى صحة الالتزام اتفاقا، ذلك بأن الغرض فى هذه الحال حاجة للملتزم غير محظور عليه تحقيقها سداد العوذة ومنفعة له ومؤسسة عليه دون ضرر بأحد، وذلك مطلوب له وجائز شرعا وقد رأى التزامه طريقا الى ذلك فجعله وسيلة الى تحصيله فلا حرج عليه فى ذلك، ولمثل هذا شرعت الالتزامات على العموم.
واذا كان غرضا محظورا حرمه الشارع فان ضمن عبارته ما يدل عليه كان التزاما فاسدا باتفاق بين جميع الفقهاء لاقترانه بشرط محظور محرم. اذ يصير بذلك هذا الالتزام أمرا محظورا حرمه الشارع وكل محرم باطل فاسد وان لم يضمن الملتزم عبارته ما يدل عليه فقد اختلف رأى الأئمة فى ذلك فمنهم فريق سوى بين هذه الحال والتى قبلها فصحح الالتزام، ذاهبا الى أن العقود والالتزامات تعتمد دلالة العبارة دون نظر الى نيات المتعاقدين، ذلك لأن صدور عبارتها على وضعها الصحيح من أهل لاصدارها يدل ظاهرا على أن ارادة صاحبها ونيته قد اتجهت الى تحقيق الغرض الشرعى الذى قصده الشارع من شرعها، اذ أن اقدام الانسان على مباشرة ما جعله الشارع سببا ووسيلة الى مسبب معين دليل على ارادة تحقيق ذلك المسبب، فلا يحكم عليه بأنه أراد خلافه الا اذا تضمنت عبارته ما يدل على ذلك وعنئذ يكون ما تضمنه شرطا فى العقد جزءا من الالتزام فيفسد به.
وعلى رأس هذا الفريق كما تقدم الشافعية والحنفية. ومما ينبغى التنبيه اليه أن اعتدادهم بالباعث المحظور ليس متصورا على ما يكون مشرحا به فى عبارة الالتزام بل يتجاوز ذلك الى الحالات التى يكون فيها محل الالتزام دالا عليه معينا له، فاذا كانت طبيعة المحل تدل على أن السبب الذى دفع الى الالتزام غير مشروع كان العقد باطلا كما سيأتى بيانه. ومما يؤيد البيان السابق من مذهب أبى حنيفة ما جاء فى الزيلعى وجاء فى مختصر (١) الطحاوى: ومن كان له عصير فلا بأس عليه فى بيعه وليس عليه أن يقصد بيعه على من يأمنه أن يتخذه خمرا لأن العصير حلال، فبيعه حلال، وليس على بائعه الكشف عما سيفعله المشترى به … وانما يجوز هذا العقد اذا لم يذكر فيه صراحة ولا ضمنا أن يتخذه المشترى خمرا، والا كان فاسدا وجاء فى الأم وهو أوضح دلالة من غيره ..
أصل ما أذهب اليه: أن كل عقد كان صحيحا فى الظاهر لم أبطله بتهمة أو بعادة وبين المتبايعين. وأجزته لصحة الظاهر وأكره لهما النية اذا كانت بحيث لو ظهرت أفسدت البيع.
وكذلك أكره للرجل أن يشترى السيف على أن يقتل به .. ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يرى أنه يقتل به ظلما لأنه قد لا يقتل به،