للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا أفسد عليه هذا البيع .. وكذلك أكره للرجل أن يبيع العنب ممن يرى أنه يعصره خمرا ولا أفسد عليه البيع اذا باعه أياه .. لأنه قد باعه حلالا .. وقد يمكن ألا يجعله خمرا أبدا كما يمكن فى صاحب السيف ألا يقتل به أحدا (١) أبدا ومن الفقهاء فريق آخر لم يسو بين هذه الحال والتى قبلها متى صحب العبارة من الظروف والقرائن ما يدل على ارادة المحظور وعلى رأس هؤلاء الحنابلة ومما يدل على ذلك ما حكاه ابن القيم من أن: الحنابلة قد ذهبوا الى ابطال كل عقد تبين أن الباعث عليه أمر محظور سواء تضمنت صيغته ما يدل عليه أم لم تتضمنه وكان أمرا باطنيا معنويا وان جاز ألا يكون لأنه قد اتخذ وسيلة الى أمر غير مشروع ولم يجعله الشارع وسيلة الى محظور وفى تصحيحه اعانة على المعصية والاعانة عليها بأى طريق أمر محظور، ولا يحتج بسلامة العبارة وخلوها مما يدل عليها، فان الوصول اليها بطريق الغش والخديعة وعلى وجه الخفاء قد يكون أشد نكرا وأعظم أثما من الوصول اليها بطريق ظاهر علنى؛ لأن الأمر المعلق الظاهر قد يمكن تداركه وتلافيه والحذر منه بخلاف الأمر الخفى وقد تضافرت أدلة الشريعة وقواعدها على أن القصور فى العقود معتبرة وأنها تؤثر فى صحة العقد وفساده وفى حله وحرمته، كما أثرت فى الفعل الذى ليس بعقد ولا الزام فيكون حلالا أو حراما تبعا لاختلاف النية والقصد منه، كما قد يعد صحيحا تارة وفاسدا تارة أخرى بناء على ذلك كذبح الحيوان يكون حلالا اذا ذبح باسم الله ويحرم اذا ذبح باسم الصنم وغير ذلك مما يماثله كثير، وقد قال صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى وهذا عام يعم العبادات والمعاملات والأقوال والأفعال، وهو دليل على ان من نوى بالبيع ربا قارف الربا، وليس يعصمه منه صورة البيع .. ومن نوى بالزواج التحليل كان تيسا مستعارا كما دل على ذلك الحديث، ولا يبعده عن ذلك صورة عقد الزواج .. اذ ليس الشأن للأسماء وصور العقود وانما الشأن لحقائقها ومقاصدها وما عقدت لأجله، وما مثل من وقف عند الظواهر والصور والألفاظ‍ ولم يراع المقاصد والمعانى الا كمثل رجل أمر بألا يسلم على صاحب بدعة فذهب اليه فقبل يده ورجله ولم يسلم عليه (٢).

أما مذهب مالك: فيدل عليه فى المدونة - قال مالك: لا يعجبنى أن يبيع الرجل داره ممن يتخذها كنيسة، ولا أن يؤجرها منه ولا أن يبيع شاته من مشرك اذا علم أنه انما يشتريها ليذبحها لوثنه - وقال أيضا اذا أجر المسلم داره الى نصرانى ليبيع فيها الخمر فالاجارة باطلة، وقال الاجارة على القتل أو على الضرب أو على ما لا يجوز شرعا غير جائزة (٣).

وفى الحطاب: ويحرم بيع الحربين آلة الحرب من سلاح ونحوه مما يتعودن به فى الحرب، ويحرم بيع الدار وشرائها ممن يتخذها كنيسة أو ممن يجعل فيها الخسر.


(١) الأم ج‍ ٣ ص ٧٥.
(٢) اعلام الموقعين مع تصرف.
(٣) المدونة الكبرى للامام مالك ج‍ ١١ ص ١٣ الى ص ٦٧.