نزل لها منه لبن فتثبت عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضى الله عنهم، وهى المسألة الملقبة عند الفقهاء «بلبن الفحل» أنه هل يحرم أو لا؟. وتفسير تحريم لبن الفحل: أن المرضعة تحرم على زوج المرضعة لأنها ابنته من الرضاعة، وكذا على أبنائه الذين من غير المرضعة لأنهم أخوتها لأب من الرضاعة وعلى هذا اذا كان لرجل امرأتان فحملتا منه وأرضعت كل واحدة منهما صغيرا أجنبيا فقد صارا أخوين لأب من الرضاعة، فان كان أحدهما أنثى فلا يجوز النكاح بينهما، لأن الذكر أخوها لأبيها من الرضاعة. وان كان أنثيين فلا يجوز لرجل أن يجمع بينهما لأنهما أختان لأب من الرضاعة، وتحرم على آباء زوج المرضعة لأنهم أجدادها من قبل الأب من الرضاعة، وكذا على أخوته لأنهم أعمامها من الرضاعة، وأخواته عمات المرضع فيحرمن عليه. وأما أولاد أخوته وأخواته فلا تحرم المناكحة بينهما لأنهم أولاد الأعمام والعمات، ويجوز النكاح بينهم فى النسب فيجوز فى الرضاعة. هذا تفسير لبن الفحل. والحجة فيه الحديث المشهور وهو قول النبى صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». وروى أن عائشة رضى الله عنها قالت: جاء عمى من الرضاعة فاستأذن على فأبيت أن آذن له حتى استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسألته عن ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«انما هو عمك فأذنى له» فقلت: يا رسول الله انما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«انه عمك فليلج عليك» قالت عائشة رضى الله عنها وكان ذلك بعد أن ضرب علينا الحجاب. أى بعد أمر الله عز وجل النساء بالحجاب عن الأجانب. وكان الداخل عليها أفلح أخا أبى القعيس وكانت امرأة أبى القعيس قد أرضعتها. وعن عمرة أن عائشة رضى الله عنها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن فى بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن فى بيتك، فقال أراه فلانا «لعم حفصة من الرضاعة» فقلت يا رسول الله: لو كان فلان حيا - لعمى من الرضاعة - أكان يدخل على؟ فقال:«نعم. أن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» وعن على رضى الله عنه أنه قال لا تنكح من أرضعته امرأة أبيك ولا امرأة أخيك ولا امرأة ابنك». وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه سئل عن رجل له امرأتان أو جارية وامرأة فأرضعت هذه غلاما وهذه جارية - هل يصلح للغلام أن يتزوج الجارية؟ فقال رضى الله عنه .. لا. اللقاح واحد.
بين الحكم وأشار الى المعنى وهو اتحاد اللقاح ولأن المحرم هو اللبن وسبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة جميعا، فيجب أن يكون الرضاع منهما جميعا، كما كان الولد لهما جميعا. وأما قولهم ان الله تعالى بين الحرمة فى جانب المرضعة لا فى جانب زوجها، فنقول:
ان لم يبينها نصا فقد بينها دلالة، وهذا لأن البيان من الله تعالى بطريقين: بيان احاطة، وبيان كفاية. فبين فى النسب بيان احاطة، وبين فى الرضاع بيان كفاية تسليطا للمجتهدين على الاجتهاد والاستدلال بالمنصوص على غيره، وهو أن الحرمة فى جانب المرضعة لمكان اللبن، وسبب حصول اللبن ونزوله هو ماؤهما جميعا،