فكان الرضاع منهما جميعا، وهذا لأن اللبن انما يوجب الحرمة لأجل الجزئية والبعضية، لأنه ينبت اللحم وينشز العظم على ما نطق به الحديث، ولما كان سبب حصول اللبن ونزوله ماؤهما جميعا، وبارتضاع اللبن تثبت الجزئية بواسطة نبات اللحم يقام سبب الجزئية مقام حقيقة الجزئية فى باب الحرمات احتياطا، والسبب يقام مقام المسبب خصوصا فى باب الحرمات أيضا فالمرأة تحرم على جدها كما تحرم على أبيها وان لم يكن تحريمها على جدها منصوصا عليه فى الكتاب العزيز، لكن لما كان مبينا بيان كفاية، وهو أن النبت وان حدثت من ماء الأب حقيقة دون ماء الجد، لكن الجد سبب ماء الأب، أقيم السبب مقام المسبب فى حق الحرمة احتياطا، كذا ههنا، والدليل عليه أنه لما لم يذكر البنات من الرضاعة نصا لم يذكر بنات الأخوة والأخوات من الرضاعة نصا، وانما ذكر الأخوات، ثم ذكر لبنات الأخوة، والأخوات دلالة حتى حرمن بالاجماع، كذا ههنا. على أنه ان لم يبين بوحى متلو فقد بين بوحى غير متلو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». وقد خرج الجواب عن قولهم ان الارضاع وجد منها، لما ذكر أنه وجد منهما لأن سبب حصول اللبن ماؤهما جميعا. وأما الزوج اذا نزل له لبن فارتضعت به صغيرة فذاك لا يسمى رضاعا عرفا وعادة، ومعنى الرضاع أيضا لا يحصل به وهو اكتفاء الصغير به فى الغذاء لأنه لا يغنيه من جوع فصار كلبن الشاه. ثم انما تثبت الحرمة من جانب الزوج اذا كان للمرأة زوج، فأما اذا لم يكن لها زوج بأن ولدت من الزنا فنزل لها لبن فأرضعت به صبيا فالرضاع يكون منها خاصة لا من الزانى لأن نسبه يثبت منها لا من الزانى، والأصل أن كل من يثبت منه النسب يثبت منه الرضاع ومن لا يثبت منه النسب لا يثبت منه الرضاع.
وكذا البكر اذا نزل لها لبن وهى لم تتزوج قط فالرضاع يكون منها خاصة (١). وكل من يحرم بسبب المصاهرة يحرم بسبب الرضاع فيحرم على الرجل أم زوجته وبنتها من زوج آخر من الرضاع كما فى النسب، الا أن الأم تحرم بنفس العقد على البنت اذا كان صحيحا، والبنت لا تحرم الا بالدخول بالأم كما فى النسب. وكذا جدات زوجته من أبيها وأمها وان علون أو بنات بناتها وبنات أبنائها وان سفلن من الرضاع كما فى النسب، وكذا تحرم حليلة ابن الرضاع وابن ابن الرضاع وان سفل على أب الرضاع وأب أبيه وان علا كما فى النسب. وتحرم منكوحة أب الرضاع وأب أبيه وان علا على ابن الرضاع وابن ابنه وان سفل كما فى النسب. وكذا يحرم بالوط ء أم الموطؤة وبنتها من الرضاع على الواطئ، وكذا جداتها وبنات بناتها كما فى النسب، وتحرم الموطوءة على أب الواطئ وابنه من الرضاع، وكذا على أجداده وان علوا، وعلى أبناء أبنائه وان سفلوا كما فى النسب سواء كان الوط ء حلالا بأن كان بملك اليمين أو الوط ء بنكاح فاسد أو شبهة نكاح أو كان بزنا.
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح ٤ ص ٣، ٤ نفس الطبعة.