للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الرضاع ما فتق الأمعاء» ورضاع الصغير هو الذى يفتق الأمعاء لارضاع الكبير لان أمعاء الصغير تكون ضيقة لا يفتقها الا اللبن لكونه من ألطف الأغذية كما وصفه الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم بقوله عز وجل «خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ» (١) فأمعاء الكبير مفتقة لا تحتاج الى الفتق باللبن وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال: «لا رضاع بعد فصال» وروى أن رجلا من أهل البادية ولدت امرأته ولدا فمات ولدها فورم ثدى المرأة فجعل الرجل يمصه ويمجه فدخلت جرعة منه حلقه فسأل عنه أبا موسى الأشعرى رضى لله عنه فقال: «قد حرمت عليك. ثم جاء الى عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه فسأله فقال: سألت أحدا؟ قال الرجل: نعم سألت أبا موسى الأشعرى فقال حرمت عليك. فجاء ابن مسعود أبا موسى الأشعرى رضى الله عنهما فقال له.

أما علمت انه انما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم؟ فقال أبو موسى: لا تسألونى عن شئ ما دام هذا الحبر بين أظهركم وعن عبد الله ابن عمر ان رجلا جاء الى عمر رضى الله عنه فقال كانت لى وليدة أطؤها فعمدت امرأتى اليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت: دونك مقدور الله. أرضعتها. قال عمر رضى الله عنه:

واقعها فهى جاريتك فانما الرضاعة عند الصغر وبهذا يتبين ان ليس المراد من الآية الكريمة رضاع الكبير لأن النبى صلّى الله عليه وسلّم فسر الرضاع المحرم بكونه دافعا للجوع منبتا للحم منشزا للعظم فاتقا للأمعاء وهذا وصف رضاع الصغير لا الكبير فصارت السنة مبينة لما فى الكتاب أصله (٢).

وقد اختلف فى مدة الرضاع المحرم فقال أبو حنيفة ثلاثون شهرا ولا يحرم بعد ذلك سواء فطم أو لم يفطم وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: حولان لا يحرم بعد ذلك فطم أو لم يفطم وقال زفر ثلاثة أحوال وقال بعضهم خمس عشرة سنة وقال بعضهم أربعون سنة احتج أبو يوسف ومحمد يقول الله سبحانه وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» (٣) جعل الله تعالى الحولين الكاملين تمام مدة الرضاعة وليس وراء التمام شئ. بقول الله سبحانه وتعالى: «وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ» (٤) وقوله عز وجل: «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» (٥) وأقل مدة الحمل ستة أشهر فبقى مدة الفصال حولين وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا رضاع بعد الحولين» وهذا نص فى الباب.

ولأبى حنيفة قول الله سبحانه وتعالى:

«وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» (٦) أثبت الحرمة بالرضاع مطلقا عن التعرض لزمان الارضاع الا أنه قام الدليل على ان زمان ما بعد الثلاثين شهرا ليس بمراد فيعمل باطلاقه فيما وراءه وقوله تعالى «فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ» (٧) والاستدلال به من وجهين


(١) الآية رقم ٦٦ من سورة النحل.
(٢) بدائع الصنائع للكاسانى ح‍ ٤ ص ٥.
(٣) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٤) الآية رقم ١٤ من سورة لقمان.
(٥) الآية رقم ١٥ من سورة الأحقاف.
(٦) الآية رقم ٢٣ من سورة النساء.
(٧) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.