للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: انه أثبت لهما ارادة الفصال مطلقا عن الوقت ولا يكون الفصال الا عن الرضاع فدل على بقاء حكم الرضاع فى مطلق الوقت الى أن يقوم الدليل على التقييد. وقوله تعالى:

«وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ» (١) أثبت لها ارادة الاسترضاع مطلقا عن الوقت فمن ادعى التقييد بالحولين فعليه الدليل ولأن الارضاع انما يوجب الحرمة لكونه منبتا للحم منشزا للعظم على ما نطق به الحديث ومن المحال عادة ان يكون منبتا للحم الى الحولين ثم لا ينبت بعد الحولين بساعة لطيفة لأن الله تعالى ما أجرى العادة بتغير الغذاء الا بعد مدة معتبرة ولان المرأة قد تلد فى البرد الشديد والحر الشديد فاذا تم على الصبى سنتان لا يجوز أن تؤمر أمه بفطامه لأنه يخاف منه الهلاك على الولد اذا لو لم يعود بغيره من الطعام فلا بد وان تؤمر بالرضاع ومحال أن تؤمر بالرضاع ويحرم عليها الرضاع فى وقت واحد فدل أن الرضاع بعد الحولين يكون رضاعا الا أن أبا حنيفة استحق فى تقديره مدة ابقاء حكم الرضاع بعد الحولين بستة أشهر لانه أقل مدة تغير الولد فان الولد يبقى فى بطن أمه ستة أشهر يتغذى بغذائها ثم ينفصل فيصير أصلا فى الغذاء. زفر اعتبر بعد الحولين سنة كاملة فقال لما ثبت حكم الرضاع فى ابتداء السنة الثالثة لما قاله أبو حنيفة يثبت فى بقيتها كالسنة الأولى والثانية وأما الآية الأولى ففيها أن الحولين مدة الرضاعة فى حق من أتم الرضاع وهذا لا ينفى أن يكون الزائد على الحولين مدة الرضاع فى حق من لم يرد أن يتم الرضاعة من أن ذكر الشئ بالتمام لا يمنع من احتمال الزيادة عليه على أن فى الآية الكريمة أن الحولين تمام مدة الرضاعة لكنها تمام مدة الرضاع فى حق الحرمة أو فى حق وجوب اجر الرضاع على الأب؟

فالنص لا يتعرض له. وعندهما تمام مدة الرضاع فى حق وجوب الأجر على الأب حتى أن الأم المطلقة اذا طلبت الأجر بعد الحولين ولا ترضع بلا أجر لم يجبر الأب على أجر الرضاع. فيما زاد على الحولين أو تحمل الآية على هذا توفيقا بين الدلائل لأن الله عز وجل لا تتناقض وأما الآية الثانية فالفصال فى عامين لا ينفى الفصال فى أكثر من عامين كما لا ينفيه فى أقل من عامين عن تراض منهما وتشاور فكان هذا استدلالا بالمسكوت كقول الله عز وجل «فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً» (٢) انه لا يمنع جواز الكتابة اذا لم يعلم فيهم خيرا وأما الآية الثالثة فتحتمل ما ذكرتم أن المراد من الحمل هو الحمل بالبطن والفصال هو الفطام فيقتضى أن تكون مدة الرضاع سنتين ومدة الحمل ستة أشهر كما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وتحتمل أن يكون المراد من الحمل باليد والحجر فيقتضى أن يكون الثلاثون شهرا مدة الحمل والفصال جميعا لانه يحمل باليد والحجر فى هذه المدة غالبا لا أن يكون بعض هذه المدة مدة الحمل، وبعضها مدة الفصال، لأن اضافة السنتين الى الوقت لا تقتضى قسمة الوقت


(١) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ٣٣ من سورة النور.