للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهما بل تقتضى أن يكون جميع ذلك الوقت مدة لكل واحد منهما كقول القائل. صومك وزكاتك فى شهر رمضان هذا لا يقتضى قسمة الشهر عليهما بل يقتضى كون الشهر كله وقتا لكل واحد منهما فيقتضى ان يكون الثلاثون شهرا مدة الرضاع كما هو مذهب أبى حنيفة فلا يكون حجة مع الاحتمال على انه ان وقع التعارض بين الآيات ظاهرا لكن ما تلون حاظر وما تلوتم مبيح والعمل بالحاظر اولى احتياطا وأما الحديث فالمشهور «لا رضاع بعد فصال» ونحن نقول بموجبه فجائز أن يكون أصل الحديث هذا وان من ذكر الحولين حمله على المعنى عنده ولو ثبت هذا اللفظ‍ فيحتمل أن يكون معناه الارضاع على الأب بعد الحولين أى فى حق وجوب الأجر عليه على ما ذكر من تأويل الآية أو يحمل على هذا عملا بالدلائل كلها ثم الرضاع يحرم فى المدة على اختلافهم فيها سواء فطم فى المدة أو لم يفطم هذا جواب ظاهر الرواية عن الأحناف حتى لو فصل الرضيع فى مدة الرضاع ثم سقى بعد ذلك فى المدة كان ذلك رضاعا محرما ولا يعتبر الفطام انما يعتبر الوقت فيحرم عند أبى حنيفة ما كان فى السنتين ونصف وعندهما ما كان فى السنتين لان الرضاع فى وقته عرف محرما فى الشرع لما ذكر من الدلائل من غير فصل بين ما اذا فطم أو لم يفطم وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه قال اذا فطم فى السنتين حتى استغنى بالفطام ثم ارتضع بعد ذاك فى السنتين أو الثلاثين شهرا لم يكن ذلك رضاعا لأنه لا رضاع بعد الفطام.

وان هى فطمته فأكل أكلا ضعيفا لا يستغنى به عن الرضاع ثم عاد فأرضع كما يرضع أولا فى الثلاثين شهرا فهو رضاع محرم كما يحرم رضاع الصغير الذى لم يفطم ويحتمل أن تكون رواية الحسن تفسير الظاهر قول اصحابنا وهو ان الرضاع فى المدة بعد الفطام انما يكون رضاعا محرما اذا لم يكن الفطام تاما بأن كان يستغنى بالطعام عن الرضاع فان استغنى لا يحرم بالاجماع.

ويحمل قول النبى صلى الله عليه وسلم «لا رضاع بعد الفصال» على الفصال المتعارف المعتاد، وهو الفصال التام المغنى عن الرضاع (١).

ويستوفى الرضاع المحرم قليله وكثيره عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضى الله عنهم وروى عن عبد الله بن الزبير وعائشة رضى الله عنهما: أن قليل الرضاع لا يحرم ولنا قوله عز وجل {(وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ)} (٢) مطلقا عن القدر وروى عن على وعن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم أنهم قالوا: قليل الرضاع وكثيره سواء. وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال: الرضعة الواحدة تحرم.

وروى أنه لما بلغه أن عبد الله بن الزبير يقول:

لا تحرم الرضعة والرضعتان فقال: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير وتلا قول الله سبحانه وتعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ».

وروى أنه لما بلغه أن عائشة رضى الله عنها تقول. لا تحرم المصة والمصتان فقال: حكم


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح‍ ٤ ص ٦، ٧ نفس الطبعة.
(٢) الآية رقم ٢٣ من سورة النساء.