للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى أولى وخير من حكمها. وكذا يستوى فيه لبن الحية والميتة بأن حلب لبنها بعد موتها فى قدح فأوجر به الصبى يحرم عند الاحناف وحجتهم فى هذا الحديث المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. واسم الرضاع لا يقف على الارتضاع من الثدى فان العرب تقول:

يتيم راضع وان كان يرضع بلبن الشاه والبقر ولا على فعل الارتضاع منها بدليل انه لو ارتضع الصبى منها وهى نائمة يسمى ذلك رضاعا ويحرم ويقال أيضا ارضع هذا الصبى بلبن هذه الميتة كما يقال ارضع بلبن الحية وقوله صلّى الله عليه وسلّم «الرضاع من المجاعة» وقوله «الرضاع ما انبت اللحم وأنشز العظم» وقوله الرضاع ما فتق الامعاء» ولبن الميتة يدفع الجوع وينبت اللحم وينشز العظم ويفتق الأمعاء فيوجب الحرمة ولأن اللبن كان محرما فى حال الحياة والعارض هو الموت واللبن لا يموت كالبيضة. كذا روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال: اللبن لا يموت ولأن الموت يحل محل الحياة ولا حياة فى اللبن فالمرأة لم تتألم بأخذ، فى حال حياتها والحيوان يتألم بأخذ ما فيه حياة من لحمه وسائر أعضائه واذا لم يكن فيه حياة كان حاله بعد موت المرأة كحالة قبل موتها، وقبل دونها محرم فهو كذلك بعده محرم (١) ويستوى فى تحريم الرضاع الارتضاع من الثدى والاسعاط‍ والايجار لأن المؤثر فى التحريم هو حصول الغذاء باللبن وانبات اللحم وانشاز العظم وسد المجاعة لكى تتحقق الجزئية وذلك يحصل بالاسعاط‍ والايجار لأن السعوط‍ يصل الى الدماغ والى الحلق فيغذى ويسد الجوع، والجور يصل الى الجوف فيغذى وأما الاقطار فى الاذن فلا يحرم لأنه لا يعلم وصوله الى الدماغ لضيق الخرق فى الأذن وكذلك الاقطار فى الاحليل لآنه لا يصل الى الجوف فضلا عن الوصول الى المعدة وكذلك الأقطار فى العين والقبل لما سبق وكذلك الاقطار فى الجائفة وفى الآمة لأن الجائفة نصل الى الجوف لا الى المعدة والآمة وان كان يصل الى المعدة لكن ما يصل اليها من الجراحة لا يحصل به الغذاء فلا تثبت به الحرمة والحقنة لا تحرم بأن حقن الصبى باللبن فى الرواية المشهورة وروى عن محمد انها تحرم وجه هذه الرواية انها وصلت الى الجوف حتى أوجبت فساد الصوم فصار كما لو وصل من الفم.

وجه ظاهر الرواية أن المعتبر فى هذه الحرمة هو معنى التغذى والحقنة لا تصل الى موضع الغذاء لأن موضع الغذاء هو المعدة والحقنة لا تصل اليها فلا يحصل بها نبات اللحم ونشوز العظم واندفاع الجوع فلا توجب الحرمة ولو جعل اللبن مخيضا أو رائبا أو شيرازا أو جبنا أو أقطا أو مصلا فتناوله الصبى لا يثبت به الحرمة لأن اسم الرضاع لا يقع عليه وكذا لا ينبت اللحم وينشز العظم ولا يكتفى به الصبى فى الاغتذاء فلا يحرم (٢).

ولو اختلط‍ اللبن بغيره فهذا على وجوه أما أن اختلط‍ بالطعام أو بالدواء أو بالماء أو بلبن


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ح‍ ٤ ص ٨ نفس الطبعة.
(٢) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح‍ ٤ ص ٨ نفس الطبعة.