للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدم الرضاع المحرم هل كمل أولا لم يثبت التحريم لان الأصل عدمه فلا نزول عن اليقين بالشك - والمسألة الثانية ان تكون الرضعات متفرقات والمرجع فى معرفة الرضعة الى العرف لان الشرع ورد بها مطلقا ولم يحدها بزمن ولا مقدار أدل ذلك على انه ردهم الى العرف فاذا ارتضع الصبى وقطع قطعا بينا باختياره كان ذلك رضعة فاذا عاد كانت رضعة أخرى فأما ان قطع لضيق نفس أو للانتقال من ثدى الى ثدى أو لشئ يلهيه أو قطعت عليه المرضعة نظرنا فان لم يعد قريبا فهى رضعة وان عاد فى الحال ففيه وجهان أحدهما ان الأولى رضعة فاذا عاد فهى رضعة أخرى وهذا اختيار أبى بكر رحمه الله وظاهر كلام أحمد فى رواية حنبل فانه قال: أما ترى الصبى يرتضع من الثدى فاذا أدركه النفس أمسك عن الثدى ليتنفس أو يستريح فاذا فعل ذلك فهى رضعة. وذلك لان الأولى رضعة لو لم يعد فكانت رضعة وان عاد كما لو قطع باختياره والوجه الآخر: ان ذلك رضعة الا فيما اذا قطعت عليه المرضعة ففيه وجهان لانه لو حلف لا أكلت اليوم الا أكلة واحدة فاستدام الأكل زمنا أو قطع لشرب الماء أو انتقال من لون الى لون أو انتظار لما يحمل اليه من الطعام لم يعد الا أكلة واحدة فكذا ههنا.

والأول أصح لان اليسير من السعوط‍ والوجور رضعة، فكذا هذا (١). والسعوط‍ كالرضاع وكذا الوجور، ومعنى السعوط‍ أن يصب اللبن فى أنفه من اناء أو غيره والوجور ان يصب فى حلقه صبا من غير الثدى واختلفت الرواية فى التحريم بهما فاصح الروايتين ان التحريم يثبت بذلك كما يثبت بالرضاع لما روى ابن مسعود عن النبى صلّى الله عليه وسلم «لا رضاع الا ما أنشز العظم وأنبت اللحم» رواه أبو داود ولأن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع ويحصل به من انبات اللحم وانشاز العظم ما يحصل من الارتضاع فيجب أن يساويه فى التحريم.

والأنف سبيل الفطر للصائم فكان سبيلا للتحريم كالرضاع بالفعل. وانما من السعوط‍ والوجور مثل الذى يحرم بالرضاع وهو خمس فى الرواية المشهورة فانه فرع على الرضاع فيأخذ حكمه. فان ارتضع وكمل الخمس بسعوط‍ أو وجور أو استسعط‍ أو أوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم لانا جعلناه كالرضاع فى أصل التحريم فكذلك فى اكمال العدد.

ولو حلبت فى اناء دفعة واحدة ثم سقته غلاما فى خمسة أوقات فهو خمس رضعات فانه لو أكل من طعام خمس أكلات متفرقات لكان قد أكل خمس أكلات. وان حلبت فى اناء حلبات فى خمسة أوقات ثم سقته دفعة واحدة كان رضعة واحدة كما لو جعل الطعام فى اناء واحد فى خمسة أوقات ثم أكله دفعة واحدة كان أكلة واحدة والاعتبار بشرب الصبى له لأنه المحرم ولهذا ثبت التحريم به من غير رضاع.

ولو ارتضع بحيث يصل الى فيه ثم مجه لم يثبت التحريم فكان الاعتبار به وما وجد منه الا دفعة واحدة فكان رضعة واحدة وان سقته فى أوقات فقد وجد فى خمسة أوقات فكان خمس رضعات، فأما ان


(١) نفس المرجع ح‍ ٩ ص ١٩٣، ١٩٤.