للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سقته اللبن المجموع جرعة بعد جرعة متتابعة فظاهر قول الخرقى أنه رضعة واحدة لا اعتباره خمس رضعات متفرقات ولأن المرجع فى الرضعة الى العرف وهم لا يعدون هذا رضعات فأشبه ما لو أكل الطعام لقمة بعد لقمة فانه لا يعد أكلات، ويحتمل أن يخرج على ما اذا قطعت عليه المرضعة الرضاع (١) وان عمل اللبن جبنا ثم أطعمه الصبى ثبت به التحريم لأنه واصل الحلق يحصل به انبات اللحم وانشاز العظم فحصل به التحريم كما لو شربه (٢) فأما الحقنة فقال أبو الخطاب المنصوص عن أحمد أنها لا تحرم لأن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذى فلم ينشر الحرمة كما لو قطر فى احليله ولأنه ليس برضاع ولا فى معناه فلم يجز اثبات حكمه فيه ويفارق فطر الصائم فانه لا يعتبر فيه انبات اللحم ولا انشاز العظم وهذا لا يحرم فيه الا ما أنبت اللحم وأنشز العظم ولأنه وصل اللبن الى الباطن من غير الحلق أشبه ما لو وصل من جرح (٣) واللبن المشوب كالمحض، والمشوب هو المختلط‍ بغيره والمحض هو الخالص الذى لا يخالطه سواه، وسوى الخرقى بينهما سواء شيب بطعام أو شراب أو غيره. وقال أبو بكر قياس قول أحمد أنه لا يحرم لأنه وجور.

وحكى عن ابن حامد قال: ان كان الغالب اللبن حرم والا فلا، لأن الحكم للاغلب ولأنه يزول بذلك الاسم والمعنى المراد به. ووجه الأول أن اللبن متى كان ظاهرا فقد حصل شربه ويحصل منه انبات اللحم وانشاز العظم فحرم كما لو كان غالبا وهذا فيما اذا كانت صفات اللبن باقية فأما ان صب فى ماء كثير لم يتغير به لم يثبت به التحريم لأن هذا ليس بلبن مشوب ولا يحصل به التغذى ولا انبات اللحم ولا انشاز العظم لأن هذا ليس برضاع ولا فى معناه فوجب أن لا يثبت حكمه (٤).

وان حلب من نسوة وسقيه الصبى فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن لأنه لو شيب بماء أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعا محرما فكذلك اذا شيب بلبن آخر. (٥) ويحرم لبن الميتة كما يحرم لبن الحية لأن اللبن لا يموت، والمنصوص عن أحمد فى رواية ابراهيم الحربى أنه ينشر الحرمة لأنه وجد الارتضاع على وجه ينبت اللحم وينشز العظم من امرأة فأثبت التحريم كما لو كانت حية ولأنه لا فارق بين شربه فى حياتها وموتها الا الحياة والموت أو النجاسة وهذا لا أثر له فان اللبن لا يموت، والنجاسة لا تمنع كما لو حلب فى وعاء نجس، ولأنه لو حلب منها فى حياتها فشربه بعد موتها لنشر الحرمة، وبقاؤه فى ثديها لا يمنع ثبوت الحرمة لأن ثديها لا يزيد على الاناء فى عدم الحياء وهى لا تزيد على عظم الميتة فى ثبوت النجاسة. ولو حلبت المرأة لبنها فى اناء ثم ماتت فشربه صبى نشر الحرمة فى قول كل من جعل الوجور محرما وذلك لأنه لبن امرأة فى حياتها فأشبه فيما لو شربه فى الحياة (٦).


(١) المغنى لابن قدامة ح‍ ٩ ص ١٩٦ الطبعة السابقة.
(٢) نفس المرجع ح‍ ٩ ص ١٩٦ نفس الطبعة.
(٣) المغنى لابن قدامة ح‍ ٩ ص ١٩٧ الطبعة السابقة.
(٤) نفس المرجع ح‍ ٩ ص ١٩٧، ١٩٨ نفس الطبعة.
(٥) نفس المرجع ح‍ ٩ ص ١٩٨ نفس الطبعة.
(٦) نفس المرجع ح‍ ٩ ص ١٩٩ نفس الطبعة.