جميع ذلك بحوث يرجع إليها في مصطلح خلافة ومصطلح إمامة كما أن الكلام فيما يجب عليه للأمة وفيما يجب للأمة عليه من حقوق وواجبات وفى عموم ولايته وعدم عمومها وفيما يخرجه من الولاية وفى ثبوت هذه الولاية بالغلبة والقوة مباحث. كذلك يرجع إليها في مصطلح خلافة لأنها أمس وأوثق بهذا المصطلح (١).
وجاء في مقدمة ابن خلدون "الفصل الثاني والثلاثون" أن لقب أمير المؤمنين قد استحدث منذ عهد الخلفاء إذ كانوا يسمون بعض قواد الجيوش والبعوث باسم الأمير وهو فعيل في الإِمارة فقد كان الصحابة يدعون سعد بن أبي وقاص أمير المؤمنين لأمارته على جيش القادسية وهم معظم المسلمون يومئذ. كما كانوا يلقبون عبد الله بن جحش به. واتفق أن دعا بعض الصحابة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أمير المؤمنين فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به وكان ذلك فيما كتبه إليه أبو موسى الأشعرى وفيما خاطبه به مشافهة المغيرة بن شعبة وعمرو ابن العاص. كما حدث أن جاء بريد من بعض البعوث إلى المدينة فلما دخلها أخذ يسأل عن عمر ويقول أين أمير المؤمنين وسمعها الصحابة من بريد جاء إلى المدينة من الغزاة فاستحسنوا ذلك وقالوا: أصبت والله اسمه أنه والله أمير المؤمنين حقا فدعوه بذلك وصار له لقبا في الناس وتوارثه الخلفاء من بعده. وقد كان قبل ذلك يدعى خليفة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كان خليفة لأبى بكر وكان أبو بكر يلقب بخليفة رسول الله ثم توارث الخلفاء هذا اللقب لا يشاركهم فيه أحد وخاصة بنى أمية ثم بنى العباس ثم تلقب به من ولى الخلافة بالأندلس إلى أن جاءت دولة المرابطين وكان منهم يوسف بن تاشفين واستولى على المغرب والأندلس فسمى بأمير المسلمين أدبا مع الخليفة العباسى. غير أن الشيعة خصّوا عليا رضى الله عنه باسم الإمام نعتا له بالإمامة التي هي بمعنى الخلافة والتي هي أصل من أصول مذهبهم وذلك تنويها ببيان مذهبهم في أنه أحق بأمامة الصلاة من أبي بكر رضى الله عنه فخصوه بهذا اللقب وساقوه إلى من جاء بعده من أئمتهم ولا يطلقونه على غيرهم من ولاة الأمر بل يطلقون عليهم اسم خلفاء. أما عند غيرهم من طوائف المسلمين فقد شاع فيهم إطلاق اسم الإِمام لورود ما يؤيد هذا الإِطلاق في الكتاب حين نعت فيه إبراهيم عليه السلام بالإمام وفى السنة إذ ورد فيها قوله - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة وقد سأله ماذا نفعل في أوقات الفتن: تلزم جماعة المسلمين وأمامتهم وقوله من بايع إماما فأعطاه صفته يده وثمرة قلبه فليطلق ما استطاع على أن بعض من ولى أمر المسلمين من أمراء المغرب لقب نفسه بأمير المسلمين كما أشرنا إلى ذلك شعورا منه بأنه لم يصل إلى المستوى الذي يجعله جديرا بلقب أمير المؤمنين.
أما بقية أنواع الإمارات وهى التي يعبر عنها في بعض كتب الفقه بالولايات أو الوظائف فإنها تقوم بسلطات أو بولايات متنوعة عديدة منها العام ومنها الخاص وفيما يلى بيانها:
النوع الأول: ولاية عامة في أعمال عامة
(١) راجع الملل والنحل جـ ١ ص ٢٠ وما بعدها - السياسة الشرعية لابن القيم والأحكام السلطانية لأبى ليلى والأحكام السلطانية للماوردى والسياسة الشرعية والحسية لابن تيمية ومنهاج السنة له.