للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى معرفة ما في قلوب الناس. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لم أبعث لأشق عن قلوب الناس" إنما كلفنا ظاهر أمرهم فأمرنا إذا حضرت الصلاة أن يؤمنا بعضنا في ظاهر أمره فمن فعل ذلك فقد صلى كما أمر وكذلك العابث في نيته أيضا لا سبيل إلى معرفة ذلك منه. والإمام (١) الذي تأول في بعض ما يوجب الوضوء فلم ير الوضوء منه فالائتمام به جائز وكذلك من اعتقد متأولا أن بعض فروض صلاته تطوع لأنه معذور بجهله وقد أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة معاوية بن الحكم وهو قد تعمد الكلام في صلاته جاهلا. وإذا صلى (٢) الإمام جنبا أو على غير وضوء سواء فعل ذلك عامدا أو ناسيا فصلاة من أئتم به صحيحة إلا أن يكون علم ذلك يقينا فلا صلاة له لأنه ليس مصليا فإذا لم يكن مصليا فالمؤتم بمن لا يصلى عابث عاص مخالف لما أمر به ومن هذه صفته في صلاته فلا صلاة له. وقد قال الله سبحانه وتعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٣) وليس في وسعنا علم الغيب من طهارته وكل إمام يصلى وراءه ففى الممكن أن يكون على غير طهارة عامدا أو ناسيا فصح أننا لم نكلف علم يقين طهارتهم وكل أحد يصلى لنفسه ولا يبطل صلاة المأموم - إن صحت - بطلان صلاة الإمام ولا يصحح صلاة المأموم - إن بطلت - صحة صلاة الإِمام ومن تعدى هذا فهو مناقض فقد روى عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطأوا فلكم وعليهم" وعن أبى بكرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل في صلاة الفجر فكبر فأومأ إليهم أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر مثلكم وإنى كنت جنبا، ولا تجوز (٤) إمامة من لم يبلغ الحلم لا في فريضة ولا في نافلة لما روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أقرؤكم" فكان المؤذن مأمورا بالأذان والإمام مأمورا بالإمامة بنص هذا الخبر ووجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: "إن القلم رفع عن الصغير حتى يحتلم" فصح أنه ليس مأمورا بهما فلا يجزئان إلا من مأمور بهما لا ممن لم يؤمر بهما ومن أئتم بمن لم يؤمر أن يأتم به وهو عالم بحاله فصلاته باطلة فإن لم يعلم المؤتم بأنه لم يبلغ وظنه رجلا بالغا فصلاة المؤتم به تامة كمن صلى خلف جنب أو كاقر لا يعلم بهما ولا فرق، وصلاة (٥) المرأة بالنساء جائزة ولا يجوز أن تؤم الرجال أما منع المرآة الرجال فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن المرأة تقطع صلاة الرجل وأن موقفها في الصف خلف الرجال والإمام لابد له من التقدم أمام المؤتمين أو من الوقوف عن يسار الإمام إذا لم يكن معه غيره فلو تقدمت المرأة أمام الرجل لقطعت صلاته وصلاتها وكذلك لو وصلت إلى جنبه لتعديها


(١) المحلى لابن حزم الظاهرى جـ ٤ ص ٥٢ وما بعدها مسألة رقم ٤١٣ الطبعة السابقة.
(٢) انظر المرجع السابق لابن حزم الظاهرى جـ ٤ ص ٢١٤ وما بعدها مسألة رقم ٤٨٩ طبع مطبعة إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٥١ هـ الطبعة الأولى.
(٣) الآية رقم ٢٨٦ من سورة البقرة.
(٤) المحلى لابن حزم الظاهرى جـ ٤ ص ٢١٧ وما بعدها مسألة رقم ٤٩٠ الطبعة السابقة.
(٥) انظر المرجع السابق لابن حزم الظاهرى جـ ٤ ص ٢١٩. وما بعدها مسألة رقم ٤٩١ طبع مطابع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٥١ هـ الطبعة الأولى.