للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المكان الذي أمرت به فقد صلت بخلاف ما أمرت وأما جواز إمامتها للنساء فإن المرأة لا تقطع صلاة المرأة إذا صلت أمامها أو إلى جنبها ولم يأت بالمنع من ذلك قرآن ولا سنة وهو فعل خير وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} (١) وهو تعاون على البر والتقوى وقد روى عن تميمة بنت سلمة عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أنها أمت النساء في صلاة المغرب فقامت وسطهن وجهرت بالقراءة وروى أن أم سلمة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها كانت تؤم النساء في رمضان وتقوم معهن في الصف، ولا يحل (٢) ولا يحل لأحد أن يؤم وهو ينظر ما يقرأ به في المصحف لا في فريضة ولا في نافلة فإن فعل عالما بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته وصلاة من ائتم به عالما بحاله عالما بأن ذلك لا يجوز لأن من لا يحفظ القرآن فلم يكلفه الله سبحانه وتعالى قراءة ما لا يحفظ لأن ذلك ليس في وسعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها فإذا لم يكن مكلفا بذلك فتكلفه ما سقط عنه باطل ونظره في المصحف عمل لم يأت بإباحته في الصلاة نص وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الصلاة لشغلا"، وتصح (٣) إمامة المتنفل للمفترض وإمامة المفترض للمتنفل وإمامة من يصلى فرضا لمن يصلى فرضا آخر كل ذلك حسن، ومن نسى صلاة فرض أي صلاة كانت فوجد إماما يصلى صلاة أخرى أي صلاة كانت في جماعة ففرض عليه ولابد أن يدخل فيصلى التي فاتته وتجزئه ولا نبالى باختلاف نية الإمام والمأموم ولو وجد المرء جماعة تصلى التراويح في رمضان ولم يكن صلى العشاء الآخرة فليصلها معه ينوى فرضه فإذا سلم الإمام ولم يكن هو أتم صلاته فلا يسلم بل يقوم فإن قام الإِمام إلى الركعتين قام هو أيضا فأئتم به فيهما ثم يسلم بسلام الإِمام وكذلك لو ذكر صلاة فائتة، وجائز أن يصلى إمام واحد بجماعتين فصاعدا في مساجد شتى صلاة واحدة هي لهم فرض وكلها له نافلة سوى التي صلى أولا، وكذلك من صلى فرض في جماعة فجائز له أن يؤم في تلك الصلاة جماعة أخرى وجماعة بعد جماعة وكل ذلك لأنه لم يأت قط قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس يوجب اتفاق نية الإمام والمأموم وكل شريعة لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع فهى غير واجبة. وأما قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل الإمام ليؤتم به فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد بين في هذا الخبر نفسه المواضع التي يلزم الائتمام بالإمام فيها وهى قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا كبر فكبروا وإذا ركم فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا فهاهنا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالائتمام فيه لا في النية التي لا سبيل إلى معرفتها لغير الله سبحانه وتعالى ثم لناويها وحده، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فنص - صلى الله عليه وسلم - نصا جليا على أن لكل أحد ما نوى فصح يقينا أن للإمام نيته وللمأموم نيته لا تعلق لأحداهما بالأخرى وما عدا هذا فباطل بحت لا شك فيه وقد روى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتى قومه فيؤمهم فصلى ليلة


(١) الآية رقم ٧٧ من سورة الحج.
(٢) انظر المحلى لابن حزم الظاهرى ٤ ص ٢٢٣ مسألة رقم ٤٩٣ الطبعة السابقة.
(٣) انظر المرجع السابق لابن حزم الظاهرى جـ ٤ ص ٢٢٣ وما بعدها طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٥١ هـ الطبعة الأولى.