للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلاة: من تقدم قوما وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارا (والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته) ورجل اعتبد محرره (أي اتخذ من أعتقه عبدا)، وتكره (١) إمامة العبد والأعرابى والفاسق والمبتدع والأعمى وولد الزنا وهذا بيان للشيئين الصحة مع الكراهة. أما الصحة فمبنية على وجود الأهلية للصلاة مع أداء الأركان وهما موجودان من غير نقص في الشرائط والأركان ومن السنة حديث "صلوا خلف كل بر وفاجر" وفى صحيح البخازى أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما كان يصلى خلف الحجاج (٢) وكفى به فاسقا، وإمامة عتبان بن مالك الأعمى لقومه مشهورة في الصحيحين واستخلاف ابن أم مكتوم الأعمى على المدينة كذلك في صحيح ابن حبان، وأما الكراهة فمبنية على قلة رغبة الناس في الصلاة وراء هؤلاء فيؤدى إلى تقليل الجماعة المطلوب تكثيرها تكثيرا للأجر ولأن العبد لا يتفرغ للتعلم والغالب على الإعراب الجهل والفاسق لايهتم لأمر دينه والأعمى لا يتوقى النجاسة وليس لولد الزنا أب يربيه ويؤدبه ويعلمه فيغلب عليه الجهل، وأطلق الكراهة في هؤلاء وقيد كراهة إمامة الأعمى في المحيط وغيره بأن لا يكون أفضل القوم فإن كان أفضلهم فهو أولى وعلى هذا يحمل تقديم ابن أم مكتوم لأنه لم يبق من الرجال الصالحين للإمامة في المدينة أحد أفضل منه حينئذ ولعل عتبان بن مالك كان أفضل من كان يؤمه أيضا وعلى قياس هذا إذا كان الأعرابى أفضل الحاضرين كان أولى ولهذا قال في منية المصلى أراد بالأعرابى الجاهل وهو ظاهر في كراهة إمامة العامى الذي لا علم عنده وينبغى أن يكون كذلك في العبد وولد الزنا إذا كان أفضل القوم فلا كراهة إذا لم يكونا محتقرين بين الناس لعدم العلة للكراهة، والأعرابى من يسكن البادية عربيا كان أو أعجميا وأما من يسكن المدن فهو عربى وفى المجتبى وهذه الكراهة تنزيهية لقوله في الأصل: إمامة غيرهم أحب إلى وهكذا في معراج الدارية، وفى الفتاوى: لو صلى خلف فاسق أو مبتدع ينال فضل الجماعة لكن لا ينال كما ينال خلف تقى ورع لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى خلف عالم تقى فكأنما صلى خلف نبى " قال ابن أمير حاج ولم يجده المخرجون، نعم أخرج الحاكم في مستدركه مرفوعا إن سركم يقبل الله صلاتكم فليؤمكم خلاركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم: والفاسق إذا تعذر منعه يصلى الجمعة خلفه وفى غير الجمعة ينتقل إلى مسجد آخر لأنه في غير الجمعة يجد إماما غيره قال في فتح القدير وعلى هذا يكره الاقتداء به في الجمعة إذا تعددت إمامتها في المصر على قول محمد وهو المفتى به لأنه بسبيل من التحول حينئذ وفى السراج الوهاج: فإن قلت فما الأفضلية أن يصلى خلف هؤلاء أو الإنفراد؟ قيل: أما في حق الفاسق فالصلاة خلفه أولى وأما الآخرون فيمكن أن يكون الإنفراد أولى لجهلهم بشروط الصلاة ويمكن أن يكون على قياس الصلاة خلف الفاسق والأفضل أن يصلى خلف غيرهم فالحاصل أنه يكره لهؤلاء


(١) انظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم جـ ١ ص ٣٦٩ وما بعدها طبع المطبعة العلمية بمصر سنة ١٣١٠ هـ الطبعة الأولى.
(٢) قال عن الحجاج الحسن البصرى: لو جاءت كل أمة بخبئاثها وجيئا بأبى محمد لغلبناهم.