للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يجوز (١) أن يكون المقتدى متقدما على إمامه بدليل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس مع الإِمام من تقدمه، ولأنه إذا تقدم الإمام يشتبه عليه حاله أو يحتاج إلى النظر وراءه في كل وقت ليتابعه فلا يمكنه المتابعة ولأن المكان من لوازمه ألا ترى أنه إذا كان بينه وبين الإِمام نهر أو طريق لم يصح الاقتداء لإِنعدام التبعية في المكان كذا هذا وهذا بخلاف الصلاة فى الكعبة لأن وجهه إذا كان إلى الإمام لم تنقطع التبعية ولا يسمى قَبْلَه بل هما متقابلان كما إذا حازى إمامه وإنما تتحقق القبلية إذا كان ظهره إلى الإِمام ولم يوجد وكذا لا يشتبه حال الإِمام ولا المأموم. ولابد أن يتحد مكان الإِمام والمأموم لأن الاقتداء يقتضى التبعية فى الصلاة والمكان من لوازم الصلاة فيقتضى التبعية فى المكان ضرورة وعند أختلاف المكان تنعدم التبعية في المكان فتنعدم التبعية في الصلاة لإِنعدام لازمها ولأن اختلاف المكان يوجب خفاء حال الإِمام على المقتدى فتتعذر عليه المتابعة التي هي معنى الاقتداء حتى أنه لو كان بينهما طريق عام يمر فيه الناس أو نهر عظيم لا يصح الإقتداء لأن ذلك يوجب اختلافا المكانين عرفا مع اختلافهما حقيقة فيمنع صحة الاقتداء. وأصله ما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له ومقدار الطريق الذي يمنع صحة الاقتداء قيل مقدار ما تمر فيه العجلة وهو قول أبى نصر محمد بن سلام. وقال أبو القاسم الصغار مقدار ما يمر فيه الجمل وأما النهر العظيم فما لا يمكن العبور عليه إلا بعلاج كالقنطرة ونحوها. وذكر الإِمام السرخسى أن المراد من الطريق ما تمر فيه العجلة والمراد بالنهر ما تجرى فيه السفن وما دون ذلك بمنزلة الجدول لا يمنع صحة الاقتداء. فإن كانت الصفوف متصلة على الطريق جاز الاقتداء لأن اتصال الصفوف أخرجه من أن يكون ممر الناس فلم يبق طريقا بل صار مصلى في حق هذه الصلاة وكذلك إن كان على النهر جسر وعليه صف متصل لما كنا ولو كان بينهما حائط. فإن كان الحائط قصيرا بحيث يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط المقصورة لا يمنع الإقتداء لأن ذلك لا يمنع التبعية فى المكان ولا يوجب خفاء حال الإِسلام ولو كان بين الصفين حائط إن كان طويلا وعريضا ليس فيه ثقب يمنع الإقتداء وإن كان فيه ثقب لا يمنع مشاهدة حال الإِمام لا يمنع بالإجماع وإن كان كبيرا فإن كان عليه باب مفتوح أو خوخة فكذلك وإن لم يكن عليه شئ من ذلك ففيه روايتان إحداهما أن ذلك مانع ووجهه أنه يشتبه عليه حال إمامه فلا يمكنه المتابعة. والرواية الثانية أن الاقتداء صحيح لعمل الناس فى الصلاة بمكة فإن الإمام يقف في مقام إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه وبعض الناس يقفون وراء الكعبة من الجانب الأخر فبينهم وبين الإمام حائط الكعبة ولم يمنعهم أحد من ذلك فدل على الجواز ولو كان بينهما صف من النساء يمنع صحة الاقتداء للحديث المتقدم. ولأن الصف من النساء بمنزلة الحائط الكبير الذي ليس فيه فرجة وذا يمنع صحة الاقتداء كذا هذا لو اقتدى بالإِمام في أقصى المسجد والإمام في المحراب جاز لأن المسجد على تباعد أطرافه جعل في الحكم كمكان واحد ولو وقف على سطح المسجد واقتدى


(١) انظر كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ ١ ص ١٤٥ طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٥٨ هـ، سنة ١٩١٠ م الطبعة الأولى.