للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس وراءه ثم ركع وهو على المنبر ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس فقال: "أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بى ولتعلموا صلاتى" متفق عليه. قال الإِمام أحمد فلا بأس أن يكون الإِمام أعلى من الناس بهذا الحديث ودليل المشهور في المذهب أن عمار بن ياسر كان بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده فأتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم؟ فقال عمار: فلذلك اتبتعك حين أخذت على يدى وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن رجلا تقدم يؤم بقوم على مكان فقام على دكان فنهاه ابن مسعود رضى الله تعالى عنه. وقال للإمام استو مع أصحابك ولأنه يحتاج أن يقتدى بإمامه فينظر ركوعه وسجوده فإذا كان أعلى منه احتاج أن يرفع بصره إليه ليشاهده وذلك منهى عنه في الصلاة. أما حديث سهل بن سعد فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان على الدرجة السفلى لئلا يحتاج إلى عمل كبير في الصعود والنزول فيكون ارتفاعا يسيرا فلا بأس به جمعا بين الأخبار ويحتمل أن يختص ذلك بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم لأنه فعل شيئا ونهى عنه فيكون فعله له ونهيه لغيره ولذلك لا يستحب مثله لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتم الصلاة على المنبر فإن سجوده وجلوسه إنما كان على الأرض بخلاف ما اختلفنا فيه ولا بأس بالعلو اليسير لحديث سهل ولأن النهى معلل بما يفضى إليه من رفع البصر في الصلاة واليسير مثل درجة المنبر ونحوها. فإن صلى (١) الإِمام في مكان أعلى من المأمومين فقال ابن حامد: لا تصح صلاتهم وهو قول الأوزاعى لأن النهى يقتضى فساد المنهى عنه. وقال القاضي (أبو يعلى): لا تبطل لأن عمارا أتم صلاته ولو كانت فاسدة لاستأنفها ولأن النهى معلل بما يفضى إليه من رفع البصر في الصلاة وذلك لا يفسدها فسببه أولى، وإن كان مع الإِمام من هو مساوٍ له أو أعلى منه ومن هو أسفل منه اختصت الكراهة بمن هو أسفل منه لأن المعنى وجد فيهم دون غيرهم ويحتمل أن يتناول النهى الإِمام لكونه منهيا عن القيام في مكان أعلى من مقامهم فعلى هذا الاحتمال تبطل صلاة الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهى، أما بالنسبة لصلاة الجنازة فلا خلاف في المذهب في أن السنة (٢) أن يقوم الإمام في صلاة الجنازة حذاء وسط المرأة وعند صدر الرجل أو عند منكبيه وإن وقف في غير هذا الموضع خالف سنة الموقف وأجزأه. ودليل وقوف الإِمام كما ذكر ما روى سَمُرة قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها. متفق عليه. وروى عن أنس أنه صلى على رجل عند رأسه ثم صلى على امرأة فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد وهكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه؟ قال نعم. فلما فرغ قال احفظوا، والمرأة تخالف الرجل في الموقف فجاز أن تخالفه هاهنا لأن قيامه عند وسط المرأة ستر لها


(١) المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه لأبى عبد الله الخرفى جـ ٢ ص ٤١ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه جـ ٢ ص ٣٩٤ وما بعدها الطبعة السابقة.