للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تتصل الصفوف وذلك لأن المسجد بنى للجماعة فكل ما جعل فيه فقد حصل في محل الجماعة لأن هذا لا تأثير له في المنع من الاقتداء بالإمام ولم يرد فيه نهى ولا هو في معنى ذلك فلم يمنع صحة الائتمام به كالفصل اليسير وإذا ثبت هذا فإن معنى اتصال الصفوف أن لا يكون بينهما بعد لم تجر العادة به ولا يمنع إمكان الاقتداء.

فإن كان (١) بين الإِمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام أو ورؤية من وراءه فقال ابن حامد فيه روايتان: أحداهما لا يضع الائتمام به واختارة القاضي لأن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب ولأنه لا يمكنه الاقتداء به في الغالب. والرواية الثانية أنه يصح الائتمام به قال أحمد في رجل يصلى خارج المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس وسئل عن رجل يصلى يوم الجمعة وبينه وبين الإمام سترة قال إذا لم يقدر على غير ذلك تصح. وقال في المنبر: إذا قطع الصف لا يضر ولأنه أمكنه الاقتداء بالإِمام فيصح اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى ولأن المشاهدة تراد للعلم بحال الإمام والعلم يحصل بسماع التكبير فجرى مجرى الرؤية ولا فرق بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره. واختار القاضي أنه يصح إذا كانا في المسجد ولا يصح في غيره لأن المسجد محل الجماعة وفى مظنة القرب ولا يصح في غيره لعدم هذا المعنى ولخبر عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها السابق، وكل موضع اعتبرنا فيه المشاهدة فإنه يكفيه مشاهدة من وراء الإِمام سواء شاهده من باب أمامه أو عن يمينه أو عن يساره أو شاهد طرف الصف الذي وراءه فإن ذلك يمكنه الاقتداء به وإن كانت المشاهدة تحصل في بعض أحوال الصلاة فالظاهر صحة الصلاة لما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى من الليل وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام أناس يصلون بصلاته وأصبحوا يتحدثون بذلك فقام الليلة الثانية فقام معه أناس يصلون بصلاته. رواه البخارى والظاهر أنهم إنما كانوا يرونه في حال قيامه وإذا كان بين الإمام والمأموم طريق أو نهر تجرى فيه السفن أو كانا في سفينتين مفترقتين ففيه وجهان أحدهما لا يصح أن يأتم به وهو اختيار لأصحابنا لأن الطريق ليست محلا للصلاة، فأشبه ما يمنع الاتصال والثانى يصح وهو رأى ابن قدامه لأنه لا نص في منع ذلك ولا إجماع ولا هو في معنى ذلك لأنه لا يمنع الاقتداء فإن المؤثر في ذلك ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت وليس هذا بواحد منهما، ولو كانت صلاة في جنازة أو جمعة أو عيد لم يؤثر ذلك فيها لأنها تصح في الطريق. وقد صلى أنس رضى الله تعالى عنه في موت حميد بن عبد الرحمن بصلاة الإِمام وبينهما طريق، والمشهور (٢) في المذهب أنه يكره أن يكون الإِمام أعلى من المأمومين سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد. وروى عن أحمد ما يدل على أنه لا يكره مستدلا بما روى عن سهل بن سعد قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام على المنبر فكبر وكبر


(١) انظر كتاب المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه للإمام أبى عبد الله الخرقى جـ ٢ ص ٣٥ وما بعدها طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٥ هـ الطبعة الأولى.
(٢) المرجع السابق لابن قدامة المقدسى جـ ٢ ص ٤٠ وما بعدها الطبعة السابقة.