للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تتمكن من الوقوف بجانب الإِمام في هاتين الصلاتين لازدحام الناس فصح اقتداؤها لدفع الضرر عنها بخلاف سائر الصلوات، ويجب على الإِمام (١) مراعاة الجهر فيما يجهر فيه من الصلاة وهى صلاة الفجر والمغرب والعشاء في الأوليين منهما، وكذا في كل صلاة من شرطها الجماعة كالجمعة والعيدين والترويحات ويجب عليه المخافتة فيما يخافت فيه من الصلاة وهى الثالثة من المغرب والأخريان من العشاء وكذا جميع ركعات الظهر والعصر وإن كان بعرفة وإنما كان كذلك لأن القراءة ركن يتحمله الإِمام عن القوم فعلا فيجهر ليتأمل القوم ويتفكروا في ذلك فتحصل ثمرة القراءة وفائدتها للقوم فتصير قراءة الإمام قراءة لهم تقديرا كأنهم قرءوا وثمرة الجهر تفوت في صلاة النهار لأن الناس في الأغلب يحضرون الجماعات في خلال الكسب والتصرف والانتشار في الأرض فكانت قلوبهم متعلقة بذلك فيشغلهم ذلك عن حقيقة التأمل فلا يكون الجهر مفيدا بل يقع تسبيبا إلى الاثم بترك التأمل وهذا لا يجوز بخلاف صلاة الليل لأن الحضور إليها لا يكون في خلال الشغل وبخلاف الجمعة والعيدين لأنه يؤدى في الأحايين مرة على هيئة مخصوصة من الجمع العظيم وحضور السلطان وغير ذلك فيكون ذلك باعثا على إحضار القلب والتأمل ولأن القراءة من أركان الصلاة والأركان في الفرائض تؤدى على سبيل الشهرة دون الإِخفاء ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر في الصلوات كلها في الابتداء إلى أن قصد الكفار أن لا يسمعوا القرآن وكادوا يلغون فيه فخافت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة في الظهر والعصر لأنهم كانوا مستعدين للأذى في هذين الوقتين ولهذا كان يجهر في الجمعة والعيدين لأنه أقامهما بالمدينة وما كان للكفار بالمدينة قوة الأذى. وقد بقيت هذه السنة بعد زوال هذا العذر كالرمل في الطواف ونحوه ولأنه واظب على المخافتة فيهما في عمره فكانت واجبة وكذلك واظب على الجهر فيما يجهر والمخافتة فيما يخافت وذلك دليل الوجوب، وإذا جهر الإِمام فيما يخافت أو خافت فيما يجهر فإن كان عامدا يكون مسيئا وإن كان ساهيا فعليه سجود السهو لأنه وجب عليه إسماع القوم فيما يجهر وإخفاء القراءة عنهم فيما يخافت وترك الواجب عمدا يوجب الإساءة وسهوا يوجب سجود السهو، وذكر في نوادر (٢) أبى سليمان أنه إن جهر فيما يخافت فيه فعليه سجود السهو قل ذلك أو كثر وإن خافت فيما يجهر فإن كان في أكثر الفاتحة أو في ثلات آيات من غير الفاتحة فعليه السهو وإلا فلا وذلك لأن المخافتة فيما يخافت ألزم من الجهر فيما يجهر فإذا جهر فيما يخافت فقد تمكن النقصان في الصلاة بنفس الجهر فيجب جبره بالسجود فأما بنفس المخافتة فيما يجهر فلا يتمكن النقصان ما لم يكن مقدار ثلاث آيات أو أكثر، وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى التسوية بين الفصلين أنه إن تمكن التغيير في ثلاث آيات أو أكثر فعليه سجود السهو وإلا فلا وذلك لما روى عن أبى قتادة أن


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى جـ ١ ص ١٦٠ وما بعدها الطبعة السابقة وانظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق لموفق الدين بن نجيم المصرى الأفريقى جـ ١ ص ٣٥٥ وما بعدها طبع مطابع المطبعة العلمية بمصر سنة ١٣١٠ هـ الطبعة، الأولى وانظر كتاب رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين جـ ١ ص ٤٩٧ وما بعدها طبع مطابع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة ١٣٢٤ هـ الطبعة الثالثة.
(٢) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى جـ ١ ص ١٦٦ الطبعة السابقة.