للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} شهد للأمة من حيث هي أمة بالعدالة وأهلية الشهادة. والإجماع عنوان الأمة فيكون إجماعًا على الحق والعدل .. وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} نهى عن التفرق. ومخالفة الإجماع تفرق فيكون محرما وغير جائز لأنه منهى عنه وغير هذه الآيات كثير …

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجمع أمتى على ضلالة" وفى رواية: "لا تجتمع أمتى على خطأ" وقال أيضا ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن .. " وهذه الأدلة وإن كانت بالنظر إلى مفرداتها فكل واحد منها ظنية وتفيد الظن من حيث الدلالة إلا أنه ظن راجح يكفى لإثبات الأحكام الفقهية .. وهى في اجتماعها على الدلالة على الحكم وتواردها على موضوع واحد تفيد القطع ..

قال الشاطبى في الموافقات (١): الأدلة المعتبرة هنا المستقرأة من جملة أدلة ظنية تضافرت على معنى واحد حتى أفادت القطع.

فإن للإجتماع من القوة ما ليس للافتراق. ولأجله أفاد التواتر القطع، وإذا تأملت كون أدلة الإجماع حجة أو خبر الواحد أو القياس حجة، فهو راجع إلى هذا المساق لأن أدلتها مأخوذة من مواضع تكاد تفوق الحصر، فمن خالف في حجية الإجماع فهو محجوج بهذه الأدلة .. ومع ذلك فالمخالفون كما يقول المؤلف من أهل الأهواء. ولا عبرة بهؤلاء.

وأما من أنكر تصور حصول الإجماع على أمر غير ضرورى فليس أبلغ في الرد عليه من الرجوع إلى الواقع فقد وقع الإِجماع بالفعل ونقل إلينا ذلك بالتواتر، ثم يستثنون الأمر الضرورى، ويتصورون الإجماع عليه، وحدود التصور واسعة وتقدير الضرورى وغير الضرورى يتفاوت فيه النظر والتصور.

وأما القول بأن الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه قال: من ادعى الإجماع فهو كاذب .. فإن الإمام أحمد لم يرد بقوله هذا الإجماع الأصولى الذي هو من الأدلة الأصلية، وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته فى عصر من العصور على حكم شرعى وإنما يقصد بذلك الرد على بعض العلماء الذين ينظرون إلى المسألة حتى إذا لم يطلعوا على خلاف في حكمها .. قالوا إن الحكم فيها ثابت بالإجماع .. يدل على ذلك ما قاله العلامة ابن القيم (٢): "ولا يقدم. يعنى الإمام أحمد عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح - وقد كذَّب أحمد من ادعى هذا الإجماع، وكذلك الإمام الشافعي فقد نص في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه خلاف لا يقال له إجماع وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبى يقول: ما يدعى فيه الرجل الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا، ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا .. إنه استبعاد لوجود الإجماع في ذلك وحصوله بالفعل - فالإمام أحمد إنما يريد بما قال: أن ينكر على الفقيه أن يسمى عدم علمه بالخلاف إجماعًا … وعلى مثل هذا جرى ابن حزم الظاهرى في كتاب الأحكام حيث قال: تحكم بعضهم فقال: إن قال عالم لا أعلم هنا خلافا فهو إجماع، وإن قال ذلك غير عالم فليس إجماعًا. وهذا قول في غاية الفساد ولا يكون


(١) الموافقات جـ ١ ص ١٢.
(٢) أعلام الموقعين جـ ١ ص ٣٢.