إجماعًا ولو قال ذلك محمد بن نصر المروزى - وهو من علماء الشافعية، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة فمن بعدهم توفى سنة ٢٠٢ كما جاء في طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكى (١).
وأما قول المؤلف أنه قد خالف في وجوب الإمامة الخوارج والأصم وغيرهم فلا محل مع هذا الزعم الإِجماع والتمسك به. إذ حسبنا نقضا لدعوى الإجماع أن يثبت عندنا خلاف هؤلاء في الحكم. والواقع أنه لم يخالف في وجوب الإمامة من الخوارج إلا النجدات أصحاب نجدة ابن عامر الحنيفى. وقد نقلنا فيما مضى قول ابن حزم في هذا الصدد واتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة يجب عليها الإنقياد لإِمام عادل حاشا النجدات من الخوارج .. وانضم إليهم الأصم من المعتزلة ..
وقد قال البعض أن أقوال الطوائف التي يراها أهل السنة على غير حق وخلافاتهم تعتبر لاغية ولا وجود لها .. ولكن الذي اختاره الغزالى والآمدى وغيرهما من الأصوليين أن أقوالهم لا تعتبر لاغية وأن خلافهم في الأحكام يمنع من انعقاد الإجماع ..
وإنما يرد على صاحب الإِسلام وأصول الحكم بأن خلاف النجدات والأصم قد وقع بعد انعقاد الإِجماع ممن نقدمهم على وجوب نصب الإمام والمقرر أن حدوث قول بعد انقراض العصر الذي انعقد فيه الإجماع على حكم شرعى لا يؤثر في الإِجماع ولا ينقضه وهو مردود على صاحبه .. ولعل قول إمام الحرمين في الرد على الأصم في غياث الأمم "وهو مسبوق بإجماع من أشرقت عليه الشمس شارقة وغاربة "واتفاق مذاهب العلماء قاطبة" يشير إلى هذا المعنى وهو أن خلافه حدث بعد الإجماع فلا يؤثر فيه على أنهم كما سبق القول قيدوا مخالفتهم وعلقوها على أمر لا يكاد يتحقق فهو خلاف في حكم العدم.
وأما القول بأن الإِجماع الذي يعتبر حجة ويثبت به الحكم لم يقع مطلقا وأن ما وقع من ذلك إنما كان تحت ظلال السيوف وضغط القوة والإِرهاب ومثل ذلك لا يمكن أن يعتبر إجماعًا يبنى عليه حكم ويكون حجة فيما يريد العلماء أن يستدلوا به عليه. والاستشهاد على ذلك بقصة بيعة يزيد بن معاوية هذا القول خروج إلى شئ آخر غير الذي يجرى فيه الخلاف وتدور حوله المناقشة.
فإن العلماء والمتكلمين من أهل السنة إنما يتحدثون عن حكم الإمامة ووجوب نصب الإمام ويقولون إن إجماع الصحابة والتابعين قد تم وانعقد على ذلك إذ لم يحدث أي خلاف بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بأحياء …
وأما مبايعة إمام خاص كأبى بكر رضى الله عنه أو يزيد بن معاوية أو غيرهما فلا يحتاج انقضاء البيعة فيه بل يكفى في انعقادها اتفاق جماعة من أهل الحل والعقد بحيث تكون كلمتهم العليا على من خالفهم ..
قال إمام الحرمين في كتاب غياث الأمم: "اتفق المنتمون إلى الإسلام على تفرق المذاهب وتباين المطالب على ثبوت الأمانة" ثم قال: "الإِجماع ليس شرطا عند الإِمامة بإجماع" فاستدلال صاحب الإسلام وأصول الحكم على إبطال الإِجماع على حكم الخلافة ووجوب نصب الخليفة بعدم الإجماع على بيعة يزيد