ابن معاوية. أو يكون هذا الإجماع وليد ضغط وإكراه مما يجعله عديم الأثر وغير صحيح شرعا. وهذا الاستدلال في غمر محله وهو جمع بين أمرين كل منهما بعيد عن الآخر. إن الإجماع الذي يستند إليه في تقرير الأحكام هو اتفاق مجتهدى الأمة على حكم شرعى والحكم في موضوعنا هو وجوب نصب الإمام.
أما مبايعة الشخص المعين بالإمامة فإنه لا يشترط فيها اتفاق مجتهدى الأمة بل المدار في انعقادها على جماعة من أهل الحل والعقد وإن لم يكن فيهم مجتهد واحد .. فلا محل للقول بأن مبايعة فلان كانت وليدة القوة الرهيبة فيكون الإجماع المزعوم باطلا لا يبنى عليه حكم ..
ومن باطل القول وزيف الكلام أن يغمز البعض ويشير إلى سكوت الصحابة عن إبداء الرأى في وجوب نصب الإِمام ثم في بيعة أبى بكر بأنه لم يكن عن اقتناع بالأمر ورضاء بما تجرى فيه المشاورة .. ولكن كان مبعثه الخوف والرهبة من البطش .. إذ لم تكن هناك قوة تبطش بلا سلاح يبعث في النفوس الخوف ..
والعصر الذي صدع فيه الأصم ونجدة ابن عامر الحنيفى واتباعه بالقول بعدم وجوب نصب الإمام والجهر به على خلاف إجماع سابق من سادة المسلمين وقادتهم في العلم والرأى والاجتهاد وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان ..
هذا العصر لم تكن حرية الرأى والجهر بالعقيدة فيه بأحسن حالا من عصر الصحابة الذي قام فيه رجل من عامة الناس وجابه الخليفة العظيم عمر بن الخطاب وفى اجتماع عام وقال له: "والله لو رأينا فيك إعوجاجًا لقومناه بسيوفنا" ويتقبل الخليفة منه ذلك. ويعلن أنه يحمد الله تعالى على أن جعل في المسلمين من يقوم إعوجاج عمر بالسيف. ولا محل للقول بأننا لو رجعنا إلى الواقع ونفس الأمر لوجدنا أن الخلافة في الإِسلام لم ترتكز إلا على أساس القوة الرهيبة وأن تلك القوة كانت إلا في القادر قوة مادية مسلحة .. فلم يكن للخليفة ما يحددا مقامه إلا الرماح والسيوف والجيش المدجج والبأس الشديد، فبتلك دون غيرها يطمئن مركزه ويتم أمره. قد يسهل التردد في أن الثلاثة الأول من الخلفاء الراشدين مثلا أشادوا مقامهم على أساس القوة المادية وبنوه على قواعد الغلبة والقهر ..
ولكن أيسهل الشك في أن عليًّا ومعاوية رضى الله عنهما لم يتبوءأ عرش الخلافة إلا تحت ظلال السيف على أسنة الرمح … لا نشك مطلقا في أن الغلبة كانت دائما عماد الخلافة .. ".
وللرد على ذلك نبين فيما يلى كيف تمت بيعة الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم بما في ذلك بيعة على رضى الله عنه:
ففى بيعة أبى بكر الصديق روى البخارى في كتاب الحدود من صحيحه الخطبة التي ألقاها عمر بن الخطاب حاكيا واقعة مبايعة أبى بكر في سقيفة بنى ساعدة، وبعد أن أتى على المناقشة والمحاورة التي دارت بين أبى بكر وبعض الأنصار قال: "" فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف".
فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعته المهاجرون ثم بايعته الأنصار".
وفى باب مناقب أبى بكر من صحيح البخارى أيضا أن أبا بكر الصديق قال للأنصار: "بايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح. فقال عمر: بل نبايعك أنت .. فأنت سيدنا وخيرنا