للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس".

أفأنت ترى من ذلك كيف بويع أبو بكر الصديق .. وأنه بويع في جو هادئ وباختيار كامل .. وليس حوله قوة مال أثر بها فيمن بايعه ولا جند ولا سلاح بعث بهما الرهبة في قلوب البايعين .. ولم تصدر منه كلمة تؤذن بتهديد أو إكراه .. وقصارى - ما وقع في المحاورة التي جرت في السقيفة قبل البيعة كما رواها الثقات ونقلة الأخبار الأنباء في كتب السيرة والتاريخ.

أن بعض الأنصار قال للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير .. ورد عليهم أبو بكر بأن هذا الأمر لن يعرف إلا لهذا الحى من قريش.

هم أوسط العرب وسطا ودارًا .. ثم أشار عليهم بمبايعة عمر بن الخطاب، أو أبى عبيدة بن الجراح.

ولما كثر اللغط وكثرت الأصوات، أوجس عمر خيفة من أن يحدث اختلاف يؤدى بهم إلى عاقبة سيئة. فلم يتمالك أن بسط يده إلى أبى بكر وبايعه وامتدت أيدى المهاجرين والأنصار على أثره فانعقدت البيعة من أهل الحل والعقد عن اختيار منهم. ولو كفوا أيديهم ولم يتابعوه على المبايعة لما انعقدت البيعة كما نص عليه أبو المعالى في كتاب غياث الأمم ..

ويبدو أن عمر بن الخطاب وهو اللماح الذي كان يبدى الرأى في الملمات فينزل الوحى من السماء مؤيدا لما رأى. لم يبسط يده لمبايعة أبى بكر إلا بعد أن عرف أن معظم المهاجرين والأنصار يرون رأيه في أن أبى بكر الصديق أحق الناس بالخلافة - يؤيد هذا أن الحاضرين بالسقيفة لم يتباطئوا عن متابعة عمر في المبايعة ثم إن الإِمام ابن جرير الطبرى ذكر في تاريخه المعروف (١) أن أبا بكر الصديق جلس من السند على المنبر وبايعه الناس البيعة العامة بعد بيعة السقيفة …

وهؤلاء المبايعون هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وتعلموا من الرسول عليه السلام فضيلة الصراحة وعدم السكوت عن قول الحق مهما ترتب على ذلك، وكذا امتنع سعد بن معاذ سيد الأنصار عن المبايعة في السقيفة بحجة أنه أولى بالإمامة .. ولم يتعرض لشئ مطلقا. وبقى على رأيه حتى مات .. وقد سمى عمر رضى الله عنه مبايعته هذه خلفه وقى الله المسلمين شرها لأنها لم تكن بعد إنهاء المشاورة كما كان متوقعا في مثل هذا الأمر الخطير من أمور المسلمين ..

قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب منهاج السنة (٢) شارحا قول عمر هذا: "ومعناه أن بيعة أبى بكر بودر إليها من غير تريث ولا انتظار لكونه كان متعينا لهذا الأمر كما قال عمر: ليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبى بكر ..

وكان ظهور فضيلة أبى بكر على من سواه وتقديم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سائر الصحابة أمرًا ظاهرًا معلوما فكانت دلالة النهى على تعيينه تغنى عن مشاورة وانتظار وتريث بخلاف غيره فإنه لا تجوز مبايعته إلا بعد المشاورة والانتظار والتريث " .. ومع كونها فلتة كما قال عمر فإنها لا تجعل مبايعة أبى بكر مأخوذة بالقهر والغلبة. وتخلف بعض المهاجرين أو الأنصار عن البيعة حينا من الزمن مثل على والعباس لا يخل بانعقادها ولا ينفى عنها أن تكون مبايعة اختيارية


(١) التاريخ المعروف للإمام ابن جرير الطبرى جـ ٨ ص ٨٢٨.
(٢) منهاج السنة جـ ٣ ص ١١٨.