للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن رضا واطمئنان إذ المدار على أن الأغلبية، وهى محل الاعتبار ويدار عليها الحكم في جلائل الأعمال والأمور المصيرية للأمة في سائر القوانين الدستورية ..

ولو جرى الانتخاب بطريق الاقتراع السرى على العادة المألوفة اليوم .. ما فاز بالإمامة غير أبى بكر الصديق رضى الله عنه.

وأما عمر بن الخطاب - فقد استخلفه أبو بكر رضى الله عنه وعهد إليه بالخلافة بعده لما اشتد عليه المرض وأحس بدنو أجله .. والاستخلاف بالعهد طريق من طرق لنعقاد الإمامة بالاتفاق بين العلماء كما سنجيئه عند الكلام على طرق انعقاد الإمامة ..

وتذكر كتب السيرة والتاريخ ومؤلفات العلماء والمتكلمين أن أبا بكر أملى على عثمان بن عفان كتاب العهد والاستخلاف وأن عثمان خرج بالكتاب إلى المسلمين المجتمعين .. وقال لهم: أترضون بمن في هذا الكتاب أن يكون إماما وقرأ عليهم الكتاب فرضوا به وبايعوا عمر وبايعه المسلمون بعد وفاة أبى بكر.

جاء في شرح المقاصد للسعد التفتازانى (١) "مرض أبى بكر رضى الله عنه مرضه الذي توفى فيه في جمادى الآخرة سنة ثلاثة عشرة من الهجرة بعد ما انقضت من خلافته سنتان وأربعة أشهر وستة أيام. فشاور الصحابة وجعل الخلافة لعمر. وقال لعثمان رضى الله عنه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم .. هذا ما عهد أبا بكر بن قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا عنها، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب. إنى استخلفت عمر بن الخطاب .. فإن عدل فذلك ظنى به ورأيى فيه، وإن بدل ما جاء فلكل امرئ ما اكتسب من الإِثم. والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وعرضت الصحيفة على جملة الصحابة فبايعوا من فيها حتى مرت على عليٍّ رضى الله عنه فقال: بايعت لمن فيها وإن كان عمر .. فانعقدت له الإمامة بنص الإِمام وإجماع أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار ..

ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب منهاج السنة (٢) في هذا الصدد: "وبايعه المسلمون بعد وفاة أبى بكر فصار إماما لما حصلت له القدرة بمبايعتهم" وتم الأمر لعمر رضى الله عنه بإجماع المسلمين ورضاهم دون ضغط ولا إكراه ولا وعيد ولا إغراء ..

وأما عثمان رضى الله عنه فقصة مبايعته أن عمر بن الخطاب لما طعنه الشقى أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وهو في الصلاة وأحس بالموت، قيل له استخلف. فقال: إن استخلف فقد استخلف من هو خير منى - يريد أبا بكر رضى الله عنه - وإن لم استخلف فلم يستخلف من هو خير منى - يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ما أجد الحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعد بن أبى وقاص وعبد الرحمن بن عوف جعل الخلافة شورى بينهم وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شئ .. ثم إنه خرج من الأمر طلحة والزبير وسعد باختيارهم .. "وبقى على وعثمان وعبد الرحمن بن عوف. واتفق الثلاثة على أن عبد الرحمن بن عوف لا يتولى ويولى أحد الرجلين وأقام عبد الرحمن ثلاثا حلف


(١) شرح المقاصد للسعد التفتازانى جـ ٢ ص ٢٩٦.
(٢) منهاج السنة جـ ١ ص ١٤٢.