للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه لم يغتمض فيها بكثير نوم بشأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ..

ثم أخذ بيد على رضى الله عنه وقال: تبايعنى على كتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الشيخين أبى بكر وعمر؟ فقال على: أبايعك على كتاب الله وسنة رسول الله واجتهد برأيى. ثم قال: مثل ذلك لعثمان. فأجابه إلى ما دعاه وكرر عليهما ثلاث مرات وأجاب كل منهما بما أجاب به أولا .. فبايع عثمان وبايعه الناس ورضوا بإمامته وتمت له البيعة من المسلمين بالرضا والاختيار لا عن رغبة أعطاهم إياها ولا عن رهبة أخافهم بها ..

وقال ابن تيمية في كتاب منهاج السنة (١) "لم يصر عثمان إماما باختيار بعضهم بل لمبايعة الناس له. وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفان لم يتخلف عن بيعته أحد" وقال الإمام أحمد: "ما كان من القوم من بيعة عثمان كانت بإجماعهم".

وقول على رضى الله عنه - واجتهد برأيى ليس خلافا منه في إمامة الشيخين بل ذهابا إلى أنه لا يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر بل عليه إتباع اجتهاده .. وكان من مذهب عثمان وعبد الرحمن أنه يجوز إذا كان الآخر أعلم وأبصر بوجوده القياس ..

وأما على بن أبى طالب رضى الله عنه فقد جاء في تاريخ ابن جرير الطبرى (١) بأن المهاجرين والأنصار اجتمعوا بعد مقتل عثمان رضى الله عنه وأتوا عليا وقالوا له: يا أبا حسن: هل نبايعك؟ فقال: لا حاجة لى في أمركم وأنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به - فاختاروا والله. فقالوا: ما نختار غيرك ثم اختلفوا إليه مرارًا. ثم أتوه في آخر ذلك. فقالوا: إنه لا يصلح الناس إلا بهذا الأمر. وفى رواية أخرى: "أنه قال لهم: لا تفعلوا فإنى أكون وزيرا خير من أن أكون أميرًا .. فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففى المسجد فإن بيعتى لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين. وقال عبد الله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتى المسجد مخافة أن يشغب عليه. وأبى هو إلا المسجد .. فلما دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس .. ".

وفى شرح المقاصد (٣): ثم خرج على عثمان بعد اثنتى عشرة سنة من خلافته رعاع وأوباش من كل أدب وأرذال من خزاعة ليس فيهم أحد من كبار الصحابة وأهل العلم ومن يعتد به من أوساط الناس فقتلوه ظلما وعدوانا في ذى الحجة سنة خمس وثلاثين. ولو استحق القتل أو الخلع لما ترك أكابر الصحابة ومن بقى من أهل الشورى ومن المبشرين بالجنة ذلك إلى جمع من الأوباش والأرذال ومن لا سابقة له في الإسلام ولا علم بشئ من أمور الدين ..

ثم اجتمع الناس بعد ثلاثة أيام وقيل خمسة أيام على عليٍّ رضى الله تعالى عنه والتمسوا منه القيام بأمر الخلافة لكونه أولى الناس بذلك وأفضلهم في ذلك الزمان فقبله بعد امتناع كثير ومدافعة طويلة، وبايعه جماعة ممن حضر منهم خزامة بن ثابت وأبو الهيثم بن الشهابى ومحمد بن مسلم وعمار وأبو موسى الأشعرى وعبد الله بن عباس وغيرهم. وكذا طلحة والزبير وكذا بايعه عبد الله بن عمر وسعد بن أبى وقاص


(١) منهاج السنة لابن تيميه جـ ١ مسألة ١٠٤٣ ص ١٥٢.
(٢) شرح المقاصد جـ ٢ ص ٢١٧.