للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحمد بن مسلمة - إلا أنهم استعفوا فيما بعد من القتال مع أهل القبلة بقيادته لما رووا في هذا المعنى من الأحاديث .. وانعقدت خلافة على بالبيعة واتفاق أهل الحل والعقد. وقد دلت على خلافته أحاديث كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الخلافة بعدى ثلاثون سنة"، وقوله عليه السلام لعلى رضى الله عنه: "إنك مقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين" .. وقوله عليه السلام لعمار: "تقتلك الفئة الباغية، وقد قتل يوم صفين تحت راية على رضى الله عنه في حربه مع معاوية وأهل الشام.

ومن المتكلمين من يرى أن هناك إجماعا على خلافته لأنه انعقد الإجماع زمان الشورى بعد عمر على أن الخلافة لعثمان أو على وهو إجماع على أنه لولا عثمان فهى لعلى. فحين خرج عثمان من البين بالقتل بقى الأمر لعلى بالإجماع .. قال إمام الحرمين: لا اكتراث بقول من قال: لا إجماع على إمامة على رضى الله تعالى عنه .. فإن الإمامة لم تجحد له. وإنما هاجت الفتن لأمور أخرى.

ولعل مما يلقى ضوء على هذه الأمور الأخر التي يقول إمام الحرمين إنما هاجت الفتن لأجلها ما ذكره السعد (١) التفتازانى في حديثه عن وجوب تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم:

"وأما توقف على في بيعة أبى بكر فيحمل على أنه لما أصابه من الكآبة والحزن لفقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يتفرغ للنظر والاجتهاد ولما انتهى الأمر نظر وظهر له الحق ودخل فيما دخلت فيه الجماعة .. وأما توقفه عن نصرة عثمان رضى الله عنه ودفع الغوغاء عنه. فلأن عثمان لم يرض بذلك ولم يأذن فيه، وكان يتجافى عن الحرب وإراقة الدماء حتى قال: من وضع السلاح من غلمانى فهو حر .. ومع هذا فقد دفع عنه الحسنان أبنا على رضى الله عنهما ولم ينفع وكان ما كان ولم يكن رضا من علي بذلك وأعانه عليه .. ولهذا قال: ما قتلت عثمان ولا مالأت عليه .. وتوقف في قبول البيعة إعظاما لقتل عثمان وإنكارًا .. وكذا طلحة والزبير إلا أن من حضر من وجوه المهاجرين والأنصار أقسموا عليه وناشدوه الله في حفظ بقية الأمة وصيانة دار الهجرة إذ أن قتلة عثمان قصدوا الاستيلاء على المدينة والفتك بأهلها وكانوا جهلة لا سابقة لهم في الإسلام ولا علم لهم بأمر الدين ولا صحبة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقبل البيعة: وتوقفه عن قصاصى قتلة عثمان رضى الله عنه إما لشوكتهم وكثرتهم وقوتهم وحرصهم على الخروج على من يطالبهم بدمه فاقتضى النظر الصائب تأخير الأمر احترازًا عن إثارة الفتنة .. وأما لأنه رأى أنهم بغاة لما لهم من المنعة الظاهرة والتأويل الفاسد حيث استحلوا دمه بما أنكروا عليه من الأمور ..

وأن الباغى إذا انقاد لإمام أهل العدل لا يؤاخذ بما سبق منه من إتلاف أموالهم وسفك دمائهم على ما هو رأى بعض المجتهدين …

وامتناع جماعة من الصحابة لسعد بى أبى وقاص وسعيد بن زيد وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وغيرهم عن مناصرة على والخروج معه إلى الحرب لم يكن عن نزاع منهم في إمامته ولا عن إباء عما وجب عليهم من طاعته بل لأنه تركهم واختيارهم في ذلك من غير الزام على الخروج إلى الحرب فاختاروا ذلك بناء على أحاديث رووها على ما قال محمد بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلى إذا وقعت الفتنة أن


(١) شرح المقاصد للسعد التفتازانى ص ٣٠٤.