للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الطائفة لا يكف بأسها ولا يسد عليها طرق المشاغبة إلا الأدلة الحاسمة التي تفيد العلم واليقين ..

ومن ثم وقعت عنايتهم على الاحتجاج بالإجماع والقواعد النظرية الشرعية لكونهما من قبيل ما يفيد العلم ولا سبيل إلى إنكاره والطعن فيه والنفى بهذين الدليلين من لم يستند من المتكلمين والعلماء إلى غيرهما. أو لأنه رأى أن أخبار الآحاد في نفسها لا تتجاوز مراتب الظنون ولا يكبر على ذوى الأهواء الغالية أن ينسلخوا منها ويخترعوا منفذا للطعن في صحتها أو صرفها عن وجه دلالتها.

وأما ما أثاره صاحب الإسلام وأصول الحكم من احتمال الأحاديث للمناقشة في صحتها وطرق دلالتها فهو مجرد تشكيك لا يغنى في مقام الاستدلال شيئا ولو كان هناك من المطاعن شئ له أثره لبادر إلى ذكره ولأفاض القول فيه كما فعل في الآيتين التي قال إن البعض قد يستدل بهما في موضوع الجدل ..

وقد خرَّج السيد/ رشيد رضا كثيرا من الأحاديث التي ذكرناها في رسالته وليس فيها مطعن من حديث الثبوت. وألفاظ الإمامة والبيعة والجماعة حققت دلالالتها اللغوية والشرعية ولم يثر حول هذه الدلالات ما يقلل من شأنها أو يشكك في صحتها.

وإذا رجعنا إلى كتب الحديث الصحيحة، التي اتفق المسلمون على أنها المصادر المعتمدة في الحديث .. وفى مقدمتها صحيح البخارى وصحيح مسلم، نجد أنه قد وردت أحاديث كثيرة في أغراض متعددة ومعان مختلفة، وذكر فيها الخليفة والإمام والبيعة والأمير والتزام الطاعة والوفاء للخليفة، ومنع تعدد الخليفة مما يوحى بطلب إقامة الإمام وتأكيد وجود الإمامة كنظام في الدين وأساس لحفظه، وسياسة المسلمين به ..

من ذلك ما جاء في أن الإمام مسئول عما يفرط فيه من حقوق الرعية كقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخارى: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته. والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته .. " إلى آخر الحديث.

ومنها ما جاء في ملازمة الإمام وعدم الخروج عنه كحديث: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" (١).

ومنها ما ورد في بيان حكم من حاول الخروج على الإمام كحديث "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" (٢) .. وحديث: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر" وحديث: "من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعمه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" (٣).

ومنه ما جاء في مساق الأخبار وعن وجود الخلفاء وقرن ذلك الأخبار بالأمر بالوفاء ببيعة الأول .. كحديث: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبى خلفه نبى. وإنه لا نبى بعدى وسنكون خلفاء فتكثر .. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول" (٤).

ومنها ما ورد مورد الإنكار والوعيد عن نكث اليد من طاعة الإمام وأن يموت المسلم وليس في عنقه بيعة كحديث: "من خلع يدا من طاعة لقى


(١) البخارى جـ ٩ ص ٦٢ طبع بولاق.
(٢) المرجع السابق جـ ٩ ص ٥٢ ومسلم جـ ٦ ص ٢٠، ٢٢.
(٣) مسلم جـ ٦ ص ١٨.
(٤) المرجع السابق جـ ٦ ص ١٧.