بعضها التصريح بأن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية .. وسيأتى حديث حذيفة المتفق عليه وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم".
وقد سبق السيد رشيد إلى ذلك ابن حزم الظاهرى في الفصل في الملل والأهواء والنحل .. بل قد زعم هذا أن القرآن والسنة قد وردّا بإيجاب الإمامة وساق الآية المتقدمة، وقال مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأئمة وإيجاب الإِمامة .. وأنت إذا تتبعت كل ما يريدون الرجوع إليه من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تجد فيها شيئا أكثر من أنها ذكرت الإمامة أو البيعة أو الجماعة مثل ما روى "الأئمة من قريش""تلزم جماعة المسلمين وإمامهم""من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية""من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه"، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر". اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر" إلى آخر ما ذكروه. وقد ذكرت هذه الأحاديث كلها مفرقة في رسالة الخلافة أو الإمامة العظمى للسيد محمد رشيد رضا وغالبها مخرج ..
وليس في شئ من ذلك كله ما يصلح دليلا على ما زعموه من أن الشريعة اعترفت بوجود الخلافة أو الإمامة العظمى - بمعنى النيابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والقيام مقامه من المسلمين - لا نريد أن نناقشهم في صحة الأحاديث التي يسوقونها في هذا الباب وقد كان لنا في مناقشتهم مجال فسيح .. ولكننا نتنزل جدلا إلى افتراض صحتها كلها .. ثم لا نناقشهم في المعنى الذي يريده الشارع من كلمات إمامة وبيعة وجماعة وقد كانت تحسن مناقشتهم في ذلك ليعرفوا أن تلك العبارات وأمثالها في لسان الشرع لا ترمى إلى شئ من المعانى التي استحدثوها بعد. ثم زعموا أن يحملوا عليها لغة الإسلام .. نتجاوز لهم عن كل ذلك، ونتنزل كل هذا التنزل، ثم لا نجد في تلك الأحاديث بعد كل ذلك ما ينهض دليلا لأولئك الذين يتخذون الخلافة عقيدة شرعية، وحكما من أحكام الدين .. إلى آخر ما ذكره في هذا الصدد ..
والواقع أن المتكلمين والعلماء الذين تكلموا في موضوع الإمامة فيما عدا السيد محمد رشيد رضا .. لم يستدلوا على وجوب الإِمامة ونصب الإمام بالحديث .. ومن استدل منهم به .. لم يذكر له حديثا واحدًا كأبى الحسن الماوردى الذي ذكر حديث "سيليكم بعدى ولاة. فيليكم البار ببره .. ويليكم الفاجر بفجوره فاسمعوا لله وأطيعوا كل ما وافق الحق فإن أحسنوا فلكم ولهم .. وإن أساءوا فلكم وعليهم" وكان للسعد التفتازانى في ذكر حديث - "فاقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر".
وقد ذكر ابن حزم في الملل والنحل أن هذا الحديث لم يصح .. ويعيذنا بالله من الاحتجاج بما لا يصح ..
ومنهم من لم يذكر شيئا من الأحاديث مطلقا كابن حزم حيث قال: إن القرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإِمام .. وذكر الآية المتقدمة وقال مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأئمة وإيجاب الإِمامة واكتفى بذلك.
ويبدو أن الذي حمل المتكلمين والعلماء على عدم الاستدلال بالحديث على وجوب الإمامة وإقامة الإمام أنه لما انتقل مبحث الخلافه إلى علم الكلام للسبب الذي أشير إليه فيما سبق، ودارت المناظرة فيها مع طائفة الشيعة التي جعلتها من العقائد الأصلية، وركنا في الدين، وألقت عليها شيئا من هذه الصبغة العقائدية رأى أهل العلم أن