للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد أن ذكر الإجماع والدليل النظرى، وقد يتمسك بمثل قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية .. " فإن وجوب الطاعة والمعرفة يقتضى وجوب الحصول ..

ووجه الاستدلال بالآية المذكورة أن أولى الأمر فيها محمول على الأمراء على ما هو الراجح من أقوال العلماء والمفسرين .. ويؤيد ذلك سبب نزول الآية، فقد جاء في فتح البارى شرح صحيح البخارى (١) رواية عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدى إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية .. وأيضا فقد وردت هذه الآية بعد قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}.

قال ابن عيينة: سألت يزيد بن أسلم عن قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يكن أحد بالمدينة يفسر القرآن بعد محمد بن كعب مثله .. فقال: اقرأ ما قبلها تعرف .. فقرأت: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} فقال هذه في الولاة ..

ثم تعقيب الآية بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فإن الخطاب للمؤمنين عامة ومن بينهم أهل الحل والعقد من العلماء وشأن عامة المؤمنين أن ينازعوا أولى الأمر في بعض تصرفاتهم وليس لهم أن ينازعوا العلماء فيما يصدرونه من الفتاوى ..

إذ يراد بالعلماء المجتهدون ومن أين لغيرهم من عامة المؤمنين أن ينازعهم في تقرير حكم أو يعرف كيف يرده معهم إلى كتاب الله وسنة رسوله .. فالله تعالى يأمرنا بطاعة أولى الأمر ويرد ما يقع فيه الخلاف والنزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله .. وهذا يستدعى وجوب وجودهم ..

وقد يرى البعض الاستدلال على وجوب نصب الإمام بقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} على أساس أن المراد بأولى الأمر فيها الأمراء كما في الآية التي سبق الكلام فيها، ولكن المفسرين والعلماء يرجحون أن المراد بأولى الأمر كبار الصحابة البصراء بالأمور فلا يتم الاستدلال ..

وأما الاستدلال بالسنة على وجوب نصب الإمام فيقول فيه صاحب الإسلام وأصول الحكم: "ليس القرآن وحده هو الذي أهمل تلك الخلافة ولم يتصد لها، بل السنة كالقرآن أيضا قد تركتها ولم تتعرض لها .. يدلك على هذا أن العلماء لم يستطيعوا أن يستدلوا في هذا الباب بشئ من الحديث ولو وجدوا لهم في الحديث دليلا لقدموه في الاستدلال على الإِجماع ..

ولكن السيد محمد رشيد رضا يريد أن يجد في السنة دليلا على وجوب الخلافة فإنه نقل عن السعد التفتازانى في المقاصد ما استدل به على وجوب الإمامة .. ولم يكن من بين تلك الأدلة بالضرورة شئ من كتاب الله ولا من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقام السيد/ رشيد يعترض على السعد بأنه قد غفل هو وأمثاله عن الاستدلال عن نصب الإمام بالأحاديث الصحيحة الواردة في التزام جماعة المسلمين أمامهم .. وفى


(١) صحيح البخارى جـ ١٣ ص ٩١ طبع مطبعة الخشاب.