للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حرمة الأموال والأنفس والأعراض .. ويحول دون القيام بواجب المحافظة على الدين والنوع الإنسانى والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - العلماء حين يفعلون ذلك إنما يطبقون قاعدة شرعية متفقا عليها وهى قاعدة: "الضرر يزال" أو قاعدة " ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا فهو واجب" وقد صرح الأستاذ الشيخ بخيت في تعبيره عن هذا الدليل بقوله: "ولا شك أن ما يتوقف عليه الفرض فرض" وهى نفس القاعدة. فالدليل في الواقع دليل شرعى أساسه قواعد شرعية متفق عليها.

وأما الاستدلال بالكتاب: فقد قطع صاحب الإسلام وأصول الحكم بأنه لا يوجد دليل ولا شبه دليل في كتاب الله تعالى على وجوب نصب الإمام ولو كان في الكتاب دليل لما تردد العلماء في التنويه والإشادة به .. بل لو كان فيه شبه دليل على ذلك لوجد من يحاول أن يتخذ من شبه الدليل دليلا .. لكنهم لم يجدوا وبالتالى لم يحاولوا أو يستدلوا بشئ من الكتاب ..

ثم قال (١): "هنالك بعض آيات من القرآن كنا نحسب من الحق علينا أن نبين لك حقيقة معناها حتى لا يخيل إليك أنها تتصل بشئ من أمر الإمامة مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.

ولكنا لم نجد من يزعم أن يجد في شئ من تلك الآيات دليلا ولا من يحاول أن يتمسك بها. لذلك لا نطيل القول فيها تجنبا للغو البحث والجهاد مع غير خصم ..

وأعلم على كل حال أن أولى الأمر قد حملهم المفسرون في الآية الأولى على أمراء المسلمين في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبعده كما قال البيضاوى ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وأمراء السرية .. وقيل علماء الشرع لقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.

وأما أولوا الأمر في الآية الثانية فهم كبراء الصحابة البصراء بالأمور .. أو الذين كانوا يؤمرون منهم .. وكيفما كان الأمر فالآيتان لا شئ فيهما يصلح دليلا على الخلافة التي يتكلمون فيها .. وغاية ما يمكن إرهاق الآيتين به أن يقال أنهما تدلان على أن للمسلمين قوما ترجع إليهم الأمور .. وذلك معنى أوسع كثيرًا وأعم من تلك الخلافة بالمعنى الذي يذكرون .. بل ذلك معنى يغاير الآخر ولا يكاد يتصل به ..

وفيما نقلناه سابقا من أقوال العلماء في حكم الإِمامة ونصب الإمام أن بعض أهل العلم قد استدل على هذا الحكم بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. كابن حزم في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" وأبى الحسن الماوردى في كتابه "الأحكام السلطانية" .. والبيضاوى في "مطالع الأنظار" .. فإنه قال بعد أن قرر الدليل النظرى .. قيل صغرى هذا الدليل عقلية بين الحسن والقبيح وكبراه أوضح مثلا من الصغرى .. والأولى أن يعتمد فيه على قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يبين هؤلاء العلماء وجه الاستدلال بهذه الآية - وأوردها العلامة سعد الدين التفتازانى في شرح المقاصد، فقال


(١) نفس المصدر ص ١٤.