منهم ولكن قاتله لامتناعه من إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام وهو الامام الواجبة طاعته .. فعلى هو المصيب في هذا ولم ينكر معاوية قط فضل على واستحقاقه الخلافة ولكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ الشهود من قتلة عثمان رضى الله عنه على البيعة .. ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه .. من ولد عثمان وولد الحكم بن أبي العاص لسنه ولقوته على الطلب بذلك كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن سهل الذي قتل بخيبر حين أراد الكلام في أمر دم أخيه - أمن بالسكوت وقال له كبركبر - ورد - لى الكبر الكبر - فسكت عبد الرحمن - وتكلم مُحَيِّصَهَ وحُرَيِّصَة ابنا مسعود وهما ابنا عم المقتول. لأنهما كانا أكبر سنا من أخيه عبد الرحمن - ومن هنا رأى معاوية أنه أحق بالمطالبة بدم عثمان ولم يطلب إلا ما كان له من الحق أن يطلبه .. وأصاب في ذلك الأثر الذي ذكرنا .. ولكنه أخطأ في تقديمه هذا الطلب على البيعة لعلى فله أجر الاجتهاد في ذلك ولا إثم عليه فيما أخطأ فيه كسائر المخطئين في الدين الذين أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لهم أجرًا واحدًا وللمصيب أجرين ..
ولا عجب أعجب ممن يجيز الاجتهاد في الدماء والفروج والأنساب والأموال والشرائع كالتحليل والتحريم والإيجاب ويعذر المخطئين في ذلك .. ويرى ذلك لليث والبتى وأبى حنيفة والثورى ومالك والشافعى وأحمد وداود وإسحاق وأبى ثور وغيرهم كزفر وأبى يوسف ومحمد والحسن بن زياد بن القاسم وأشهب وابن الماجشون والمزنى وغيرهم .. فواحد من هؤلاء يبيح دم هذا الإنسان وآخر منهم يحرمه كمن حارب ولم يقتل أو عمل عمل دوم لوط .. وواحد منهم يبيح هذا الفرج وآخر منهم يحرمه كبكر أنكحها أبوها وهى بالغة عاقلة بدون إذنها أو رضاها .. ثم يضيفون ذلك على من له الصحبة والفضل والعلم والتقدم والاجتهاد وكمعاوية وعمرو بن العاص ومن معهما من الصحابة.
وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه وقاتل دونه. فإنه يجب على الإمام أن يقاتله وإن كان منا، أفبهذا قطعنا على صواب على وصحة إمامته وأنه صاحب الحق .. وله أجران .. أجر الاجتهاد وأجر الإصابة .. وقطعنا أن معاوية رضى الله عنه ومن معه مخطئون مجتهدون لهم أجر واحد .. وأيضا ففى الحديث الصحيح أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن مارقة تمرق بين طائفتين من أمته وأن أولى الطائفتين بالحق نقتلها .. وهم الخوارج مرقوا بين أصحاب على وأصحاب معاوية لقتلهم على وأصحابه .. فصح أنهم أولى الطائفتين بالحق. وفى حديث أن عمارًا تقتله الفئة الباغية وقد قتل بصفين من أهل الشام وأصحاب معاوية فهم باغون .. قتله أبو العادية بسار بن سبع السلمى .. وهو صحابى شهير شهد بدرا .. ولكنه مجتهد متأول مخطئ .. الذي لا تخالجه ريبة .. قال الشاطبى في الموافقات: إن المجتهد إذا استقرأ معنى عاما من أدلة خاصة واضطر وله ذلك المعنى لم يفتقر بعد ذلك إلى دليل خاص على خصوص نازلة بعينها بل يحكم عليها وإن كانت خاصة بالدخول تحت عموم المعنى الذي انتهى إليه من استقراء الجزئيات والأدلة الخاصة كالنصوص بصيغة عامة ..
والعلماء حين يستدلون على وجوب نصب الإمام بأن ترك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يزعهم عن الباطل وازع. يفضى إلى تبدد الجماعة وإضاعة الدين وإنتهاك