وقد ذكرنا وجوب الائتمام بالإمام، فإذ هذا كله كما ذكرنا .. فإذا مات عثمان رضى الله عنه وهو الإمام ففرض إقامة إمام بدله يأتم به الناس لئلا يبقوا بلا إمام فإذا بادر علي إلى ذلك وبايعه واحد من المسلمين فصاعدا فهو إمام قائم وطاعته فرض لا سيما ولم تتقدم بيعته بيعة لأحد غيره، ولم ينازعه الإِمامة أحد مطلقا .. فهذا أوضح في وجوب إمامته وصحة بيعته ولزوم إمارته للمؤمنين فهو الإِمام بحقه وما ظهر منه قط إلى أن مات رضى الله عنه شئ يوجب نقض بيعته، وما ظهر منه قط إلا العدل والجبر والبر والتقوى ولو سبقت بيعة طلحة والزبير أو من يستحق الإمامة لكانت أيضًا بيعة حق لازمة لعلي ولغيره فعلي مصيب في الدعاء لنفسه والدخول تحت طاعته .. وهذا برهان لا يحيد عنه .. وأما أم المؤمنين عائشة والزبير وطلحة رضى الله عنهم ومن كان معهم فما أبطلوا قط إمامة على ولا طعنوا فيها ولا ذكروا فيه جرحة تحطه عن الإِمامة ولا أحدثوا إمامة أخرى ولا جددوا بيعة لغيره ..
هذا ما لا يقدر أن يدعيه أحد بوجه من الوجوه بل يقطع كل ذى علم أن كل ذلك كذلك .. فإذ لا شك في هذا فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها .. إنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب على ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته. ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته، هذا ما لا شك فيه أحد ..
وإنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه ظلما .. وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا .. فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن التدبير عليهم فذهبوا إلى عسكر طلحة والزبير واعملوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم حتى خالطوا عسكر علي فدفع أهله عن أنفسهم وكل طائفة تظن .. ولا شك أن الأخرى بدأتها بالقتال واختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد فمه أكثر من الدفاع عن نفسه .. والفسقة من قتلة عثمان لا يفترون عن شن الحرب وإضرامه ..
فكلتا الطائفتين .. أهل الجمل وقوم علي مصيبة في غرضها ومقصدها مدافعة عن نفسها ورجع الزبير وترك الحرب بحالها، وأتى طلحة سهم عابر وهو قائم لا يدرى حقيقة ذلك الاختلاط فصادف جرحا في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانصرف ومات من وقته .. وقتل الزبير رضى الله عنه بوادى السباع على أقل من يوم البصرة .. فهذا كان الأمر، وكذلك كان قتل عثمان إنما حاصره المصريون ومن لف منهم يريدونه على إسلام مروان إليهم وهو يأبى لعلمه أنه إن أسلمه قتلوه دون تثبت. وكان جماعات من الصحابة فيهم الحسن والحسين ابنا على وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وغيرهم في نحو سبعمائة من الصحابة وغيرهم معه في الدار يحمونه وينفلتون إلى القتال فيردعهم إلى أن تسوروا عليه من خوخة في دار ابن حزم الأنصارى جاره وقتلوه غيلة .. فما رضى أحد بقتله ولا علموا أنهم يريدون قتله لأنه لم يأت بشئ يبيح قتله. ودفن من ليلته رضى الله عنه وشهد دفنه طائفة من الصحابة .. وليس صحيحا أن عليا تركه بلا دفن ثلاثة أيام مطروحًا على مزبلة، ولو فعل لكانت جرمة فيه، والكافر الميت لا يفعل به ذلك ..
وأما أمر معاوية رضى الله عنه فبخلاف ذلك ولم يقاتله علي رضى الله عنه لامتناعه عن بيعته لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره ممن لم يبايعوا عليا في المدينة .. ولم يقاتل أحدًا