للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا شك أن ما يتوقف عليه الفرض فرض .. لكان نصب الإمام فرضا كذلك ..

ومثل الأمر والنهى في التوقف على نصب الإمام الكليات الست التي تجب المحافظة عليها بالزواجر والحدود التي بينها الشارع لا بغير ذلك .. والكليات الست هي: حفظ الدين - وحفظ النفس .. وحفظ العقل .. وحفظ النسب .. وحفظ المال .. وحفظ العرض .. " ا. هـ.

وقد نقل صاحب الإسلام وأصول الحكم هذا الاستدلال بنصه (١): "ولكن المنصفين من العلماء والمتكلفين منهم قد أعجزهم أن يجدوا في كتاب الله تعالى حجة لرأيهم فانصرفوا عنه إلى ما رأيت من دعوى الإجماع تارة ومن الالتجاء إلى أقيسة المنطق وأحكام العقل تارة أخرى" فهو يسمى طريق الاستدلال الذي نحاه الأستاذ الشيخ محمد بخيت ومن تقدمه من علماء الكلام قياسا منطقيا وحكما عقليا ..

وهذا مما يخيل للقارئ أن هذا الدليل خارج عن الأدلة الشرعية .. مع أنه راجع إلى الأدلة الشرعية وقائم على أساسها كما يشهد بذلك قول العلماء أن نصب الإمام عندنا واجب سمعا لوجهين: الوجه الأول: الإجماع، والثانى هذا الدليل.

وبيان أن هذا الدليل قائم على نظر شرعى أن استنباط الأحكام الشرعية يعتمد على نظرين:

أحدهما: يتعلق بالأدلة السمعية التي يقع منها الاستنباط مباشرة في ضوء القواعد التي قررها علماء الأصول واتخذ منها كل مجتهد أساسًا لإِجتهاده واستنباطه ..

وثانيهما: يرجع إلى وجوه الدلالات المعتد بها في الاستعمال اللغوى والشرعى ..

أما الأدلة السمعية فهى الكتاب والسنة والإجماع .. وأما وجوه الدلالات فدلالة بالمنطوق ودلالة بالمفهوم .. ودلالة بالعقول .. ويندمج في دلالة المعقول القياس .. وهو الأصل الرابع في الأدلة .. ونتيجة ذلك انحصار الأدلة الشرعية العالية أو الأصلية في الكتاب والسنة والإجماع والقياس مع أدلة أخرى ترجع إلى هذه الأصول وهى القواعد الشرعية المقطوع بصحتها والتي استنتجها العلماء من الشريعة والنصوص بالتتبع والاستقراء واستقصاء الفروع والجزئيات المتفرعة عن الكليات والأصول العامة كقاعدة "الضرر يزال" وقاعدة "المشقة تجلب التيسير" وقاعدة "العادة محكمة" وقاعدة "ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورًا فهو واجب" وقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وغير ذلك من القواعد التي اتفق عليها العلماء .. فإن مثل هذه القواعد لم يقررها العلماء بمحض العقل أو مجرد التفريع على كلمة المصلحة والمفسدة إجمالا ودون بحث واستقراء .. بل أنهم رجعوا في كل قاعدة إلى استقراء موارد كثيرة من جليات الشريعة وجزئياتها حتى تحققوا قصد الشارع إليها واعتباره إياها في تقرير الحكم .. وأصبحت بمنزلة الخبر المتواتر في وقوعها موقع اليقين ..

وقال ابن حزم في كتابه: الفصل في الملل والأهواء والنحل (٢) أنه قد صح ووجب فرض الإمامة بما ذكرنا من الأدلة على ذلك من قبل في إيجاب الإمامة وإذ هي فرض فلا يجوز تضييع الفرض .. وإذ ذاك كذلك فالمبادرة إلى تقديم إمام عند موت الإِمام فرض واجب ..


(١) الإسلام وأصول الحكم ص ١٣، ١٤.
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل جـ ٤ ص ٢٢.