للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اجتمع عليها بالمدينة دار النبي - صلى الله عليه وسلم - وموطن الصحابة وأرجأ الأمر في المطالبة بدم عثمان إلى اجتماع الناس واتفاق الكلمة فيتمكن حينئذ من ذلك ..

ورأف الآخرون أن بيعته لم تنعقد لإفتراق الصحابة أهل الحل والعقد .. بالآفاق ولم يحضر إلا قليل ولا تكون البيعة إلا باتفاق أهل الحل والعقد .. وأن المسلمين حينئذ فوضى فيطالبون أولا بدم عثمان ثم يجتمعون على إمام ..

وذهب إلى هذا معاوية وعمرو بن العاص وأم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير .. إلا أن أهل الثاني من بعدهم اتفقوا على انعقاد بيعة على ولزومها للمسلمين أجمعين وتصويب رأى على فيما ذهب إليه .. وتعيين الخطأ من جهة معاوية ومن كان على رأيه وخصوصا طلحة والزبير لانتقاضهما على على بعد البيعة له فيما نقل مع وقع التأثيم عن كل من الفريقين كالشأن في المجتهدين. وصار ذلك إجماعا من أهل العصر الثاني على أحد قولى العصر الأول كما هو معروف.

ويتضح من هذا كله أن بيعة على رضى الله عنة بالخلافة تمت في المدينة وبين أهلها من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين والأنصار ووجوه الناس وأهل الحل والعقد فيهم في جو هادئ وبمحض الرضا والاختيار .. ثم ثبتت فتنة المطالبة بدم عثمان رضى الله عنه والقصاص من قتلته واعتبار ذلك في مجال النظر الأول .. والخروج على عليٍّ واتهامه بالسكوت والمماطلة في ذلك.

وليس أدل على بيعة على بالمدينة وأنها تمت من أهل الحل والعقد بالرضا والاختيار من إجماع مجتهدى وعلماء وأهل القرن الثاني على صحتها وسلامتها وكلام ابن حزم صريح وقاطع في أنه لم يكن خلاف ولا قتال على بيعة علي وإمامته وأن إمامته حق لا شك فيه .. وليس الكلام في إمامة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وكيف تمت وعلى أي أساس قامت وما صاحبها وأحاط بها من ظروف وأحوال وتصرفات من باب الاستطراد في القول أو التزيد في الموضوع - بل هو من صميم الموضوع وقد عرض له وبسطه كل العلماء والمتكلمين الذين كتبوا في موضوع الإمامة.

وإلى هنا تم الكلام على الإجماع واستدلال أهل السنة به على وجوب نصب الإمام وسلامة هذا الاستدلال .. وننتقل بعد ذلك إلى استدلالهم بالدليل النظرى …

وأما بالنسبة للدليل النظرى المبنى على القواعد الشرعية فقد رأينا مما سبق أن كل العلماء والمتكلمين الذين بحثوا في ذلك قد استدلوا بهذا الدليل وتبعهم في ذلك المغفور له الأستاذ الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية سابقًا.

إذ قال في كتابه القول المفيد على الرسالة المسماة وسيلة العبيد في علم التوحيد (١): "إن نصب الإمام يتوقف عليه إظهار الشعائر الدينية وصلاح الرعية .. وذلك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذين هما فرضان بلا شك .. وبدون نصب الإمام لا يمكن القيام بهما وإذا لم يقم بهما أحد لا تنتظم أمور الرعية. بل يقوم التناهب فيما بينهم مقام التواهب ويكثر الظلم وتعم الفوضى .. ولا تفصل الخصومات التي هي من ضروريات المجتمع الإنسانى ..


(١) العبيد في علم التوحيد ص ١٠٠.